مع ارتفاع تكاليف المعيشة ومؤشرات التضخم، أصبح للادّخار والاستثمار موضات عدة يلجأ إليها الناس من أجل تأمين مستقبلهم؛ ما بين ذهب وعملات مشفرة والعقار وسوق الأسهم، وكان المعدن الأصفر خياراً آمناً بالنسبة للعديد منهم، وفضّل البعض شراء سبائك الذهب لتكون طوق النجاة من الأزمات الاقتصادية.

أدَّى فشل البنوك الأميركية خلال العام الحالي إلى زيادة الطلب على شراء سبائك الذهب، والاستثمار في العملات المشفرة، وذلك في الوقت الذي كان الطلب على الذهب مرتفعاً بالفعل، إذ سعى الناس إلى إيجاد وسائل بديلة للبنوك لحماية استثماراتهم ضد التضخم.

لماذا يوفر الذهب هذا الاستقرار؟

الإجابة بسيطة، لأن الذهب أصل ملموس ذو عرض محدود، لذلك فإنه أداة تحوط جيدة توفر الاستقرار، ويمكن حماية الاستثمار فيه.

كما تلعب الأحداث الاقتصادية والأزمات بشكل عام دوراً مهماً في ازدهار الإقبال على هذا المعدن، فخلال جائحة «كوفيد-19» في أغسطس آب 2020، وصلت أسعار الذهب وقتها إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 2074 دولاراً.

أما في العام الجاري، فبعد انتشار فوضى البنوك التي أفلست الواحد تلو الآخر، بلغ الطلب على سبائك الذهب والعملات الذهبية في الولايات المتحدة أعلى مستوياته منذ 13 عاماً في الربع الثاني، وذلك وفقاً لتقرير نشره مجلس الذهب العالمي في أغسطس آب الماضي، إذ لفت إلى الآثار اللاحقة للأزمة المصرفية، بعدما دعمت الطلب في وقت مبكر من هذا الربع، كما دفعت بعجلة المفاوضات المتوترة حول سقف الديون الأميركية إلى الأمام.

وفي المنطقة العربية، مع ارتفاع وتيرة التضخم وتدهور قيمة الجنيه المصري، تضاعفت مشتريات المصريين من العملات و سبائك الذهب نحو 3 مرات خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بدافع التحوط ضد التضخم و انخفاض الجنيه، حسب بيانات المجلس.

وتشير البيانات إلى أن المصريين اشتروا أكثر من عشرة أطنان من العملات والسبائك الذهبية خلال الربع الثاني من العام، بارتفاع نسبته 214 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

ووصلت قيمة كيلوغرام الذهب إلى أعلى مستوى قياسي لها منذ عام واحد عند نحو 64 ألف دولار في أبريل نيسان، وفقاً لبيانات «ريفينيتيف»، بينما ناهزت 62 ألف دولار مع بداية سبتمبر أيلول، بعدما كانت في أدنى مستوياتها في نوفمبر تشرين الثاني 2022.

أما سعر أونصة الذهب فقد بلغ بحلول يوم الجمعة أكثر من 1924 دولاراً، وفقاً للبيانات ذاتها.

هل يمكنني شراء سبائك الذهب بسهولة؟ ولماذا يفضل الناس امتلاكه على الاستثمار؟

يميل البعض إلى امتلاك المعدن النفيس بين أيديهم على الاستثمار؛ فعلى الرغم من القدرة على الثقة في صندوق استثماري متداول في الذهب، فإنه يخضع لمعايير السوق، ويرتبط بها؛ لذلك فإن انخفض السوق، سيتعرض المستثمر للخسائر نتيجة لذلك، على عكس مالك سبائك الذهب أو العملات الذهبية.

هل تأثر الطلب على الذهب في الآونة الأخيرة؟

تباطأ الطلب منذ أزمة إفلاس البنوك، لكن من المرجَّح أن ينتعش مرة أخرى في حالة ظهور أي علامات على عدم الاستقرار المصرفي، ومع اقتراب الحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية لعام 2024، وفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي.

وأفاد التقرير أيضاً أنه على الرغم من هذا التباطؤ الطفيف، فإن الطلب العالمي على الذهب ظل قوياً بين أبريل نيسان ويونيو حزيران من شركات صناعة الحُلي التي تمثّل نحو نصف الطلب على المعدن، كما ارتفعت إمدادات الذهب بنحو 7 في المئة على أساس سنوي إلى 1255 طناً بنهاية يوليو تموز، وسجّل إنتاج المناجم من الذهب مستويات قياسية عند 1781 طناً حتى الشهر ذاته.

يتأثر سوق المعدن الأصفر العالمي بدول مثل سويسرا والمملكة المتحدة وروسيا، إذ تسيطر هذه البلدان الثلاثة معاً على 31.2 في المئة من إجمالي صادرات الذهب العالمية، وفقاً لمرصد التعقيد الاقتصادي.

وبالنسبة لسبائك الذهب، فإن حركة الاستثمار فيها إلى جانب العملات الذهبية ارتفعت بنسبة 6 في المئة على أساس سنوي إلى 277 طناً، بينما شهدت صناديق الاستثمار المتداولة تدفقات خارجة صافية بلغت 21 طناً مقابل 47 طناً خلال الفترة نفسها من 2022، ما يؤكد قوة هذا المعدن النفيس وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي.