أثار احتمال فرض حظر أميركي على واردات اليورانيوم الروسي منخفض التخصيب، مدفوعاً بالتوترات الجيوسياسية، تساؤلات مهمة حول المسار المستقبلي لقطاع الطاقة النووية وآثاره الأوسع على أمن الطاقة، في ظل الزخم المتزايد الذي تكتسبه حلول الطاقة النظيفة.

اليورانيوم عنصر أساسي يستخدم كوقود لمحطات الطاقة النووية والمفاعلات النووية التي تغذّي السفن البحرية والغواصات، كما يمكن استخدامه في صناعة الأسلحة النووية إذا خُصب بنسب أعلى.

وفي الأسبوع الماضي، شجّعت وزيرة الطاقة الأميركية جنيفر غرانهولم الكونغرس على حظر إمدادات اليورانيوم الروسي، لدفع استثمارات التطوير المحلي للوقود اللازم للمفاعلات النووية من الجيل التالي.

وجاء هذا بعدما أقر مجلس النواب الأميركي في ديسمبر كانون الأول الماضي تشريعاً يحظر واردات اليورانيوم الروسي اللازم لمحطات الطاقة النووية، في إطار رد واشنطن على حرب موسكو على أوكرانيا، لكن التشريع تضمن إعفاءات تسمح باستيراد اليورانيوم منخفض التخصيب من روسيا إذا قرر وزير الطاقة الأميركي أنه لا يوجد مصدر بديل متاح لتشغيل مفاعل نووي أو شركة طاقة نووية أميركية، أو إذا كانت الشحنات تصب في المصلحة الوطنية.

وفي الوقت الحالي، توفّر الطاقة النووية نحو 10 في المئة من الكهرباء في العالم من نحو 440 مفاعلاً، وفقاً للرابطة النووية العالمية.

وبما أن الطاقة النووية توفر نحو ربع الكهرباء منخفضة الكربون في العالم، فإن التوقعات بالنسبة لسوق اليورانيوم تشير إلى ارتفاع الطلب على الطاقة النووية، مدفوعاً بحتمية التحول نحو مصادر طاقة أنظف لمكافحة تغيّر المناخ.

ومع ذلك، فإن التحديات مثل ديناميكيات العرض، واتجاهات السوق، والعوامل الجيوسياسية تهدد بتعطيل هذا المسار.

هيمنة روسية

تعتبر الولايات المتحدة أكبر مستورد لليورانيوم الروسي استناداً إلى التقرير الأخير الصادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة في مارس آذار 2024، وتأمل في الضغط على الاقتصاد الروسي لاستعادة قواتها من أوكرانيا وإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين.

ووفقاً لمعلومات إدارة الطاقة الأميركية، فهناك سقف للاستيراد يعود إلى ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية.

وإذا فرض هذا الحظر، فقد يكون له آثار كبيرة على محطات الطاقة النووية المحلية والعالمية، إذ تعد الولايات المتحدة أكبر منتج للطاقة النووية عالمياً، بحسب بيانات الرابطة النووية العالمية، حيث تمثل نحو 30 في المئة من الإنتاج العالمي للكهرباء النووية.

وفي الولايات المتحدة، حيث تلعب الطاقة النووية دوراً مهماً في توليد الكهرباء، على مدى عقدين من الزمن، تم توليد ما يصل إلى 10 في المئة من الكهرباء المنتجة في الولايات المتحدة من الوقود المُصنع باستخدام اليورانيوم استناداً إلى بيانات الرابطة النووية العالمية.

ويقول الخبراء إن فرض حظر على واردات اليورانيوم الروسي من شأنه أن يعطّل سلاسل التوريد، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف التشغيل ونقص محتمل في الإمدادات.

ووفقاً للمحلل أمود شكري، الزميل الزائر الأول بجامعة جورج ميسون، هذا قد يؤدي إلى زيادة تكاليف التشغيل المقدرة بنسبة تصل إلى 13 في المئة.

لكن هذه التداعيات لن تؤثر إلّا على التوقعات قصيرة المدى لأنه من الصعب للغاية إحراز تقدم بدون اليورانيوم الروسي، لا سيما في ظل حقيقة أن البلاد التكنولوجيا الأكثر تقدماً نظراً لكونها أكبر مصدر لليورانيوم المخصب في العالم.

وأوضح شكري في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» أن «بناء بنية تحتية مماثلة في دول توريد محتملة أخرى مثل كندا أو أستراليا أو ناميبيا سيستغرق وقتاً».

وأشار كذلك إلى أنه خلال السنتين اللتين فرض فيهما الغرب العقوبات على صادرات النفط الروسية، بدأت روسيا بتصدير نفطها إلى دول أخرى غير غربية -لتجاوز العقوبات- ومن ثم بيع نفطها عبر هذه الدول.

وتوقع أنه «فيما يتعلق باليورانيوم، يمكن لروسيا أن تستخدم دولاً أخرى كذلك، لأنها تسيطر على جزء من البنية التحتية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط عبر الاستثمارات».

الإنتاج المحلي الأميركي

أعلنت وزارة الطاقة الأميركية هذا الشهر أن التمويل الجديد لتعزيز إنتاج الوقود النووي المحلي يعد خطوة تاريخية، لكن يجب على مستهلكي الطاقة النووية في العالم أيضاً تغيير سلاسل التوريد لتحقيق هدف تخفيف قبضة روسيا على الصناعة.

وفي مؤتمر الأطراف (كوب 28)، تعهدت الولايات المتحدة إلى جانب اليابان وفرنسا وكندا والمملكة المتحدة بجمع 4.2 مليار دولار من التمويل الحكومي للطاقة النووية.

ويمثل النصيب الأميركي من هذه المساهمة نحو 2.7 مليار دولار، ووصفت كاثرين هوف وكيل وزارة الطاقة الأميركية لقطاع الطاقة النووية في مقابلة مع رويترز الخطوة بأنها «تاريخية في مجال سلسلة إمدادات الوقود».

ووقّع الرئيس جو بايدن على مشروع قانون بالموافقة على التمويل لإنتاج الوقود المحلي هذا الشهر.

وتشمل البرامج الممولة وقود اليورانيوم عالي التخصيب، والذي من المتوقع أن يستخدم في المحطات النووية فائقة التطور.

وأضافت هوف أن نجاح تحويل سلاسل التوريد سيتوقف أيضاً على انتقال الدول الأخرى إلى هذه «المصادر الموثوقة بدلاً من المصادر التي يمكن أن تؤثر على العرض ضدها، مثل روسيا».

وقالت شركة الطاقة الروسية المملوكة للدولة روساتوم إنها توفر 17 في المئة من الوقود النووي في العالم.

وقالت هوف إن أميركا «بحاجة ماسة» لخفض اعتمادها على روسيا مضيفة «أننا نبحث عن طريقة لبدء فرض قيود على الاستيراد من روسيا».