تجنبت شركة النحاس الروسية (آر سي سي) وشركات صينية، الضرائب وتأثير العقوبات الغربية من خلال تداول قضبان أسلاك نحاسية جديدة مموهة على أنها خردة، حسب ما أفادت ثلاثة مصادر مطلعة لرويترز.
وقالت المصادر إنه تم تقطيع قضبان الأسلاك النحاسية في منطقة شينجيانغ الويغورية النائية بواسطة وسطاء لجعل تمييزها عن الخردة صعباً، ما يسمح لكل من المصدرين والمستوردين بالاستفادة من الاختلافات في التعريفات الجمركية المطبقة على الخردة والمعادن الجديدة.
وبلغت رسوم التصدير الروسية على قضبان النحاس سبعة في المئة في ديسمبر كانون الأول، أي أقل من الضريبة البالغة عشرة في المئة على الخردة.
تبلغ ضريبة واردات قضبان النحاس إلى الصين 4 في المئة، ولا توجد رسوم على واردات الخردة الروسية.
معادن متخفية في شكل خردة
وتعكس مبيعات المعادن الجديدة المتخفية في شكل خردة، والتي بدأت في ديسمبر كانون الأول، التناقض بين البيانات الصينية والروسية.
وأظهرت بيانات الجمارك الصينية أن الصين اشترت كميات أكبر بكثير من خردة النحاس من روسيا منذ ديسمبر كانون الأول، في حين أظهرت أرقام روسية حصلت عليها رويترز من مزود بيانات تجارية أن كمية الخردة المصدرة إلى أكبر شريك تجاري للبلاد كانت ضئيلة.
ورداً على استفسار لرويترز بشأن التباين في البيانات، قالت الجمارك الروسية «لا تقدم دائرة الجمارك الفيدرالية مؤقتاً بيانات عن التجارة الخارجية»، وتوقفت عن نشر بيانات التجارة في أبريل نيسان 2022 بعد وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا، ومنذ ذلك الحين اعتمدت السوق على مقدمي الخدمات التجارية.
ورداً على سؤال حول تجارة قضبان النحاس مع الشركات الصينية، قالت شركة آر سي سي، الخاضعة للعقوبات الغربية، إنها توفر المنتجات للشركات الروسية فقط، ولم تعلّق أكثر.
وأصبحت الصين وجهة رئيسية للشركات الروسية الساعية لتصدير سلعها بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا في فبراير شباط 2022.
وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على الشركات الصينية لدعمها المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.
وقال فادي رياض، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة مونيتا ماركتس، إن الهدف الرئيسي من عملية تحويل أسلاك النحاس إلى خردة، هو التهرب من الضرائب المفروضة على صادرات هذا المعدن الثمين، إذ تفرض 90 في المئة من الدول ضرائب على صادراتها من النحاس.
وأضاف رياض في مكالمة هاتفية مع «CNN الاقتصادية»، أن حجم عمليات التهرب الضريبي في ما يتعلق بصادرات النحاس يتراوح بين 500 و600 مليار دولار سنوياً تعادل ما يقرب من 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم كافة.
وأشار إلى أن الصين أكبر منتج ومستهلك ومستورد للنحاس في العالم.
يلعب النحاس دوراً مهماً في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والسيارات الكهربائية، كما يرتبط بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، ومن المتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على النحاس نحو 26 مليون طن هذا العام، في حين تشير التوقعات إلى ارتفاع العجز في سوق النحاس إلى أكثر من 100 ألف طن في عام 2025 من نقص قدره 35 ألف طن هذا العام.
وأشار كبير استراتيجيي الأسواق في شركة مونيتا ماركتس إلى أن السعودية والإمارات من أكبر الدول العربية إنتاجاً للنحاس لكنها لا تملك فائضاً إنتاجياً للتصدير وبالتالي لا تعاني من عمليات تحويل أسلاك النحاس إلى خردة، والتي تنتشر في دول عربية أخرى تتصدرها لبنان الأكثر استهلاكاً للنحاس تليها الأردن والمغرب ثم مصر.
خردة النحاس
يعد تقطيع قضبان الأسلاك النحاسية المصنوعة حديثاً طريقة فعالة لإخفاء المواد الجديدة التي تبدو مختلفة تماماً عن الخردة، يتم عادةً لف القضبان الطويلة والرفيعة الجديدة المصنوعة من النحاس عالي النقاء، والتي تستخدم بشكل أساسي في صنع كابلات الطاقة، لسهولة النقل.
وعلى النقيض من ذلك، فإن خردة النحاس عبارة عن مزيج من الأسلاك والأنابيب والمواسير التي تم استخدامها بالفعل، يتم تقطيعها إلى قطع بحجم الحبوب أو لفها وضغطها، مثل عبوات المكرونة، لسهولة النقل.
وقالت المصادر إن التقطيع لم تتم ملاحظته لأن الصين قيّدت الوصول إلى منطقة شينجيانغ رداً على الإدانة الدولية لقمع الأويغور.
في ديسمبر كانون الأول الماضي، وفقاً لمزود بيانات تجارية، قامت شركات صينية بإجمالي خمس عمليات شراء لمنتجات مُصنفة على أنها «قضبان نحاس» من مصنع شركة النحاس الروسية (آر سي سي) في منطقة جبال الأورال.
وبصرف النظر عن الحافز المالي المتمثل في تجنب الضرائب، فمن الصعب التعرف على المعدن المقطع وتتبعه، ما يسهّل بيعه للمصنعين الصينيين.
ومن الناحية النظرية، لا توجد عقبات قانونية تمنع الصين من شراء المعادن من الشركات الروسية بموجب العقوبات الغربية، لكن المصنعين ربما لا يزالون يشعرون بالقلق من خسارة أعمال التصدير لصالح المشترين الذين يسعون إلى تجنب تقديم أي أموال لروسيا.
ويمكن أن تعني العقوبات أيضاً صعوبات في معالجة المدفوعات واقتراض الأموال.
وفي ديسمبر كانون الأول الماضي، قامت شركات صينية بإجمالي خمس عمليات شراء لمنتجات مُصنفة على أنها «قضبان نحاس» من مصنع شركة النحاس الروسية (أر سي سي) في منطقة جبال الأورال.
ووفقاً لمزود بيانات التجارية، فقد حققت عمليات الشراء التي قامت بها شركة مقرها في الإمارات العربية المتحدة تسمى مودرن كوموديتي تريدينغ دي إم سي سي إيرادات تقارب 65 مليون دولار.
ولم يتسنَ الوصول إلى الشركة للتعليق.
ولم تكن روسيا قط بائعاً رئيسياً لخردة النحاس إلى الصين، ومع ذلك، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية، ارتفعت واردات الخردة النحاسية من روسيا بشكل كبير منذ ديسمبر الماضي، دخل معظمها، أي 97 في المئة أو 6434 طناً مترياً، عبر حدود ألاكاشانكو في شينجيانغ في ديسمبر كانون الأول.
وأظهرت البيانات الروسية تناقضاً، إذ تشير إلى أن البلاد باعت 73 طناً فقط من خردة النحاس إلى الصين في الشهر نفسه.
وفي عامي 2021 و2022، تم بيع ما متوسطه 95.3 طناً و125 طناً من خردة النحاس الروسية إلى الصين شهرياً.
ارتفعت الأحجام بشكل حاد خلال الأشهر القليلة الماضية إذ وصلت الواردات الشهرية إلى 11 ألفاً و599 طناً بحلول فبراير شباط 2024.
وقال مصدر تصنيعي صيني طلب عدم الكشف عن هويته «هذه الخردة من روسيا هي في الواقع قضبان نحاس، ولكن لم يتم الإعلان عنها على أنها قضبان، لا أستطيع الكشف عن المزيد من التفاصيل».
وأضاف المصدر أن هذه المادة يمكن أن يستهلكها مصنعو النحاس مباشرة في مقاطعتي جيانغسو وتشجيانغ.
ويمثّل الإنتاج المحلي الصيني ما يقرب من 8 في المئة من حجم النحاس المستخرج عالمياً، وتستهلك الصين نحو 52 في المئة من النحاس المكرر عالمياً، وتنتج نحو 41 في المئة.