أثارت إقالة سام ألتمان موجة واسعة من الجدل بين رواد الأعمال والناشطين في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة أنه الشريك المؤسس لشركة أوبن إيه آي الشهيرة ببرنامج تشات جي بي تي.
وهناك العديد من التوقعات باحتمال عودة ألتمان إلى منصبه واستبعاد قرار الإقالة، خاصة أنه لم يكن المؤسس والرئيس التنفيذي فحسب، بل يرجع إليه الفضل في جذب مليارات الاستثمارات إلى الشركة، كما استطاع أن يجذب المشرعين في أميركا إلى صفه، فضلاً عن تلويحه بتهديد صريح حول أسهمه، على حسابه الرسمي بمنصة إكس.
وأوضحت معلومات أوردتها وكالة رويترز، أن البيع المخطط لأسهم موظفي أوبن إيه آي، الذي كان سيدعم القيمة السوقية للشركة بنحو 86 مليار دولار على الورق، أصبح معلقاً بعد الإقالة المفاجئة لألتمان.
وأضاف التقرير نقلاً عن شخص مطلع على الأمر، أن عرض العطاء الذي تقوده ثرايف كابيتال لم يُغلق بعد، إذ كان في مراحله النهائية وكان من المتوقع أن يكتمل في أقرب وقت من الشهر المقبل.
الصادم في الأمر هو كيفية إقالة مؤسس شركة أو رئيسها التنفيذي، فوفقاً لترتيب المناصب الوظيفية فإن الرئيس التنفيذي يرتقي قمة السلم الوظيفي، فكيف يمكن لمجلس إدارة شركة ما أن يقيل مؤسسها من منصبه، أو يحدد مهامه الوظيفية مثلما حدث مع غريغ بروكمان شريك ألتمان.
في الواقع الأمر ليس جديداً، فالتاريخ يحفل بالعدد من الإقالات المماثلة التي شملت عدداً من أشهر رواد الأعمال، مثل الملياردير المثير للجدل إيلون ماسك، وعبقري شركة أبل ستيف جوبز، والشريك المؤسس لتويتر جاك دورسي.
إيلون ماسك.. الاستبداد الإداري
تصدر إيلون ماسك اهتمام وسائل الإعلام عقب صدور كتاب يتحدث عن إقالته من باي بال، بعدما أطاح به مجلس الإدارة من منصب الرئيس التنفيذي.
في سبتمبر أيلول 2000، خطط كل من المستثمر الأميركي بيتر ثيل، والمؤسس المشارك ماكس ليفشين، وعضو مجلس الإدارة ريد هوفمان، ومدير العمليات ورئيس المنتجات ديفيد ساكس للإطاحة بماسك، وفقاً لما أورده الكتاب الذي يحمل اسمه والذي كتبه المؤلف والتر إيزاكسون.
فقد اعتاد ماسك الشجار حول سياسة العلامة التجارية للشركة والاستراتيجية التي تتبعها، كما امتاز أسلوبه الإداري بالاستبداد، لذلك بينما كان يقضي عطلة زواجه، اعتلى ثيل منصب الرئيس التنفيذي بدلاً منه.
وحول هذا الأمر، قال ماسك ساخراً لمجلة فورتشن في عام 2007، «هذه هي مشكلة الإجازات».
وعلى الرغم من إقالة ماسك، فإنه احتفظ بحصته في الشركة، وهو الأمر الذي أفاده كثيراً عندما استحوذت شركة إي باي على الشركة في عام 2002 مقابل 1.5 مليار دولار، إذ حققت الصفقة له نحو 250 مليون دولار.
وبثقته المعهودة، قال ماسك لنيويورك إنه لو استمر في الشركة لبلغت قيمتها تريليون دولار.
جاك دورسي.. الاهتمام بالموضة على حساب الإدارة
في 2006، أطلق كل من جاك دورسي، وإيفان ويليامز، وبيز ستون، ونوح جلاس، منصة تويتر، وفي الأيام الأولى للشركة، عُيّن دورسي رئيساً تنفيذياً للشركة، إلا أن الأمر لم يستمر طويلاً.
فقد قرر ويليامز إقالة دورسي بعد ازدياد الشكاوى التي تلقاها حول أسلوب إدارته السيئ، وسوء التواصل مع أعضاء مجلس الإدارة، والفشل في حل مشكلات الشركة، فضلاً عن انتشار بعض الأقاويل التي أفادت بأنه اهتم بهواياته الشخصية على حساب الإدارة، إذ كان شغوفاً برياضة اليوغا والأزياء.
وفي عام 2011، استطاع دورسي العودة إلى منصبه في تويتر، ليثبت أن السنوات غيّرت الكثير في أسلوبه الإداري، وحتى نوفمبر تشرين الثاني 2022 بلغت القيمة السوقية للشركة نحو 41.18 مليار دولار.
ستيف جوبز.. مزاجية لا تناسب العمل
العبقري ستيف جوبز هو مؤسس شركة أبل، الذي عزز قيمتها السوقية حتى بلغت تريليونات الدولارات، بفضل المنتجات المبتكرة التي أصدرتها الشركة مثل آي فون، وآي باد، وآي بود. لكنه كان شخصاً مزاجياً، ودفع تكلفة هذا الأمر غالياً، إذ طُرد من الشركة في مراحلها المبكرة قبل أن تحقق شهرتها الواسعة الحالية.
في الثمانينيات من القرن الماضي، أرجع مجلس إدارة شركة أبل مزاجية جوبز إلى سنه الصغير، ورأى المجلس أنه لا يصلح لإدارة الشركة على الرغم من اشتهاره بالذكاء.
لكن الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، فبعد أن أوصى جوبز بتعيين المدير التنفيذي السابق لشركة بيبسي كو، جون سكولي، ليحل محله، قام الأخير بإقناع مجلس الإدارة بطرد جويز في عام 1985. وبعد عقد من الزمن، عاد جوبز مرة أخرى للشركة ليشكل لها مستقبلاً جديداً استمر حتى بعد رحيله، إذ تناهز القيمة السوقية للشركة حالياً ثلاثة تريليونات دولار.
كيف يمكن إقالة مؤسسي الشركات؟
يحق لمجلس الإدارة إقالة مؤسسي الشركات، إذ تتمثل مهمته الأساسية في تعيين الرئيس التنفيذي المناسب، أو إقالته.
عندما يبدأ رائد الأعمال في تأسيس شركته، فإنه يحتاج إلى الممولين والمستثمرين لتمويل مشروعه الجديد، ومن هنا فإنهم يحتاجون إلى إبداء رأيهم في الاستثمار الذي شاركوا في تمويله، وبالتالي يحصلون على مقعد في مجلس إدارة الشركة، ومن هنا يتقلص دور المؤسس لحد كبير.
الأمثلة السابقة ما هي إلا نماذج قليلة لحالات الطرد العديدة التي طالت مؤسسي الشركات الناشئة على مر التاريخ، لكن النتيجة النهائية تتوقف على مدى إصرار هؤلاء المؤسسين.
فلولا نجاح جوبز في تعزيز قيمة الشركة السوقية وابتكاراته التكنولوجية المتطورة، لما عرفه العالم، ولولا عبقرية ماسك لما ارتبط اسمه بعملاقة السيارات تسلا، رغم أن تأسيسها يعود في الأصل إلى مارتن إبرهارد ومارك تاربنينغ.
لذلك، فإن القيمة السوقية للشركات لا تتحدد وفقاً لمؤسسيها بل لمدى القدرة على تعزيز الاستثمارات والابتكارات وسرعة الاستجابة لاحتياجات ومتطلبات السوق، والمثال الأكبر على ذلك هو قدرة ألتمان على رفع القيمة السوقية لشركة أوبن إيه آي خلال فترة وجيزة، سواء بجذبه الاستثمارات وإقناع مايكروسوفت بالمساهمة في شركته، أو ابتكار برنامج الذكاء الاصطناعي الأشهر على الإطلاق في الآونة الأخيرة تشات جي بي تي.