لطالما ارتبط اسم اليابان بالسبق في تقديم كل ما هو جديد للعالم، وفي عام 2013 كان العالم على موعد مع سبق ياباني جديد وإن لم يُضاف إلى سجل إنجازاتها هذه المرة بل إلى قائمة إخفاقاتها الاقتصادية، بعد أن تجاوز الدين الحكومي للبلاد حاجز الـ«كوادريليون» ين مسجلاً 10.39 تريليون دولار، وكان الدولار حينها يحوم حول 97 يناً.

وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، يُقدّر الدين العام في اليابان حالياً بنحو 10.8 تريليون دولار أي ما يعادل 255 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهي أعلى نسبة للديون على الإطلاق بين اقتصادات العالم المتقدمة.

1647765

ويعود تضخم الدين الياباني للعديد من الأسباب أهمها برامج التحفيز الاقتصادي الهائلة التي انتهجتها الحكومة في أعقاب انفجار الفقاعة العقارية في التسعينيات، إذ عملت على ضخ المزيد من السيولة في النظام المالي لإنعاش النمو الاقتصادي.

هذا إضافة إلى شيخوخة سكانها التي تكبد الحكومة مليارات الدولارات سنوياً على برامج الرعاية الصحية والرفاهية الاجتماعية وتعوق جهودها لترشيد الإنفاق، فأعمار نحو ثُلث السكان في البلاد تفوق 65 عاماً.

ضعف الين يعقّد المشهد

يأتي ذلك في الوقت الذي يحوم فيه الدولار قرب أعلى مستوياته منذ 34 عاماً مقابل الين، ما يهدد بزيادة مدفوعات فوائد الديون إلى مستويات قياسية؛ فكلما ارتفعت قيمة الدولار أمام الين، زادت قيمة الفوائد التي يتوجب على الحكومة دفعها مقابل الديون التي تقترضها.

وفي عام 2022، أنفقت اليابان نحو 22 في المئة من ميزانيتها على فوائد الديون، متجاوزة ما أنفقته على الأنشطة الحكومية والتعليمية والدفاعية مجتمعة، والتي بلغت نسبتها 15 في المئة. ومن المتوقع زيادة تلك النسبة إلى 25 في المئة عام 2025.

وفي فبراير شباط 2024، توقعت وزارة المالية اليابانية ارتفاع الفوائد السنوية على الدين الحكومي بأكثر من الضعف خلال عشر سنوات لتصل إلى 24.8 تريليون ين (169 مليار دولار) في العام المالي 2033، مقارنة بـ9.83 تريليون ين عام 2025، وفقاً لبيان الوزارة.

ومع بدء تحرك بنك اليابان نحو تخفيف سياسة التيسير النقدي التي انتهجها لنحو 17 عاماً، يحذّر المراقبون من تضخم فاتورة خدمة الديون نتيجة لارتفاع تكاليف الإقراض.

ففي مارس آذار الماضي، أعلن بنك اليابان تخليه عن سياسة الفائدة السلبية التي استمرت لنحو 8 أعوام، فيما يمثّل نهاية لأوسع برنامج للتحفيز الاقتصادي في التاريخ الحديث، بينما قرر رفع سعر الفائدة للمرة الأولى منذ 17 عاماً وإن ظلت قريبة من الصفر، إذ يتراوح معدل الفائدة حالياً بين 0 و0.1 في المئة مقارنة بـ(-0.1) في المئة في السابق.

فالفائدة المنخفضة كانت تتيح للحكومة الاقتراض بتكلفة بسيطة ما ساعدها على الوفاء بالتزامات الدين بشكل جيد، لكن تراجع قيمة الين مقابل الدولار والاتجاه نحو تشديد السياسة النقدية قد يجعلان تلبية تلك الالتزامات أكثر صعوبة في المستقبل.

أسباب تراجع الين

سجل الين أسوأ أداء بين العملات الرئيسية مقابل الدولار خلال عام 2024، إذ خسر أكثر من 6 في المئة من قيمته منذ بداية العام وأكثر من ثلث قيمته منذ بداية 2021.

ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى الفارق الكبير بين معدلات الفائدة في كل من الولايات المتحدة واليابان.

وعلى الرغم من تخلي بنك اليابان عن سياسة الفائدة السلبية ورفع معدل الفائدة للمرة الأولى منذ 17 عاماً، فإنه أبقى المعدل قرب الصفر (0 و0.1 في المئة) لتظل أسعار الفائدة اليابانية الأدنى على الإطلاق بين اقتصادات العالم.

على الجانب الآخر، لا يزال مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) يُبقي معدلات الفائدة عند أعلى مستوياتها منذ 23 عاماً عند النطاق 5.25 و5.5 في المئة.

وفي 29 أبريل نيسان الماضي، قفز الدولار لأعلى مستوياته منذ عام 1990مقابل العملة اليابانية مسجلاً 160 يناً بعد أن أظهرت البيانات الحكومية تسارع وتيرة التضخم الأميركي بأعلى من التوقعات، ما أثار التكهنات بتأجيل خفض الفائدة الأميركية.

الأخطر من ذلك أن تراجع الين يدفع المستثمرين للتخلص منه وبيعه ما يؤدي لمزيد من الهبوط.

حتى المصدرين -الذي يعدون الفئة الأكثر استفادة من تراجع الين- أصبحوا عازفين عن تحويل عائداتهم الدولارية إلى العملة المحلية ما يزيد الضغوط الهبوطية عليها، وبالمثل أصبح كبار المستثمرين اليابانيين يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في الخارج لتحقيق عوائد أكبر مستفيدين من قوة الدولار الأميركي.

ماذا تفعل الحكومة اليابانية لوقف نزيف الين؟

تعتمد اليابان على الاستيراد لتوفير جزء كبير من احتياجاتها من المواد الغذائية والطاقة. وارتفاع الدولار مقابل الين يؤدي لزيادة أسعار تلك المنتجات، ما يرفع معدلات التضخم ويقلص القوة الشرائية لليابانيين.

خلال السنوات الأخيرة، تدخلت السلطات اليابانية في الأسواق لدعم عملتها المحلية من خلال بيع مبالغ طائلة من الدولار لصالح شراء الين.

وتترقب الأسواق في الوقت الحالي تدخلاً مماثلاً من قبل اليابان لوقف نزيف الين.