تنتظر سوق الأسهم الأميركية شهراً مهماً مع ترقب قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن سياسته النقدية والتوقعات المستقبلية، وهو ما يُسبب حالة من الارتباك الشديد بين المستثمرين في السوق.

ونلاحظ انخفاض مؤشر التقلب «في آي إكس» -الذي يقيس تقلب أسعار الأسهم- إلى أدنى مستوياته في عام، ما يمثل فرصة لأولئك الذين يبحثون عن مصادر للتحوط ضد مخاطر السوق، بينما يثير قلقاً للآخرين الذين يعتقدون أن هناك مخاطر لا تزال مختفية عن الأنظار.

والسؤال الرئيسي الذي يطرحه المتداولون والمستثمرون الآن، هو كيفية التعامل مع الأسهم الأميركية التي تقترب بشدة من أعلى مستوياتها على الإطلاق.

معنويات المستثمرين والبيانات الاقتصادية

جذبت البيانات الاقتصادية انتباه المتداولين بشكل كبير، وكانت سبباً في انتعاش معنويات المستثمرين خلال الفترة الماضية.

على سبيل المثال، توقّع معظم المستثمرين في نهاية العام الماضي أن الاقتصاد الأميركي سيتعرض للانهيار والركود الحاد؛ بسبب تسارع التضخم الشديد واتجاه الاحتياطي الفيدرالي إلى زيادة سعر الفائدة بوتيرة قياسية، ما أدى إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي في البلاد.

وروَّج المتداولون آنذاك إلى أن الاقتصاد الأميركي سيواجه أوقاتاً عصيبة، وأن الهبوط الحاد كان بمثابة قضية محسومة إلى حد كبير.

ومع ذلك، بدأت بيانات التضخم في إظهار تباطؤ بسرعة أكبر بكثير مما كان متوقعاً في السابق، ما أعطى المتداولين الأمل في عدم سقوط الاقتصاد في الهاوية.

وتغيرت معنويات المستثمرين بسرعة، وشهدنا ارتفاعاً جيداً في سوق الأسهم في بداية هذا العام، وحقق مؤشر «ناسداك 100» مكاسب قوية على أساس شهري من فبراير شباط حتى نهاية يوليو تموز، وأصبح أغسطس آب هو الشهر الأول الذي يسجل فيه المؤشر خسارة.

أداء مؤشرات الأسهم الأميركية

كان أداء مؤشرات الأسهم الأميركية الأخرى مثل «إس آند بي 500»، و«داو جونز» متقارباً للغاية، إذ سجل كلا المؤشرين اتجاهات صعودية قوية، واقترب من الارتفاعات القياسية حتى أغسطس آب فقط.

أما بالنسبة لمؤشر التقلب «في آي إكس»، فكانت حركته متباينة إلى حدٍّ ما، إذ سجل اتجاهاً هبوطياً قوياً بين مارس آذار ويونيو حزيران، ثم عاد إلى تحقيق أشهر إيجابية، لكنه لم يسجل قفزات قوية خلال هذه الأشهر، ما يعني أن المؤشر كان يغلق كل شهر تقريباً عند المستوى الذي بدأ عنده.

وبعبارات بسيطة، كانت هذه التحركات بمثابة رسالة مفادها أنه لا يوجد اهتمام كبير حتى الآن بين مجتمع المستثمرين بشأن تقلبات الأسعار، وسط اعتقاد بأن الأسعار ستغير اتجاهها في نهاية المطاف.

الذهب كمصدر للتحوط ضد المخاطر

هناك عامل مهم آخر ينتبه إليه المتداولون أيضاً في الوقت ذاته عندما يتعلق الأمر بالأصول ذات المخاطرة المرتفعة والمنخفضة، وهو الذهب.

لدينا العديد من العوامل التي تؤثر في أسعار الذهب، والتي يجب على المتداولين معرفتها، ولكن العوامل التي سنركز عليها في هذه المقالة ستكون بشكل أساسي على العوامل التي تعزز شهية المخاطرة، ونظيرتها التي تتعلق بالعزوف عن المخاطرة.

تماماً مثل حالة مؤشر التقلب «في آي إكس»، يفضل المستثمرون عموماً الذهب عندما يشعرون بعدم اليقين بشأن النشاط الاقتصادي، ويكون هناك شعور قوي بالركود.

وكانت حركة سعر الذهب أيضاً مربكة إلى حدٍّ ما، إذ سجلت بعض الأشهر مكاسب، وأخرى حققت خسائر، كما فشل شهر أغسطس آب الذي كان سيئاً للغاية بالنسبة لسوق الأسهم، في دفع سعر الذهب إلى المنطقة الإيجابية، لكنه بالتأكيد ساعده على الابتعاد عن أدنى مستوياته خلال الشهر.

هل يجب على المستثمرين التحوُّط الآن؟

من المهم أن نفهم الوضع الحالي للاقتصاد، وفي الوقت الراهن، بدأت قراءات التضخم للأشهر السابقة في إثارة بعض أجراس الإنذار بين المتداولين مرة أخرى.

بدأت معدلات التضخم في الارتفاع مرة أخرى، مع استقرار أسعار النفط، عند مستويات قوية للغاية، واستمرارها في الاتجاه الصعودي.

بالإضافة إلى ذلك، أكدت البيانات الأميركية هذا الشهر أن سوق العمل تضعف وتفقد قوتها، لذلك سيكون من المنطقي للمتداولين شراء بعض أصول التحوط في محفظتهم الاستثمارية، لكن في الوقت ذاته عليهم مراقبة عاملَينِ عن كثب.

العامل الأول يتعلق بما سيفعله بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن سياسته النقدية.

إذا استمرت الظروف الاقتصادية في التدهور، وهو ما يحدث الآن، فإن فرص اتجاه الاحتياطي الفيدرالي لزيادة سعر الفائدة تصبح أقل، وستكون هذه الرسالة مفيدة للغاية لسوق الأسهم، وتدعم احتمالات ارتفاعها، ومن ثَمَّ، فإن شراء الكثير من التحوط قد لا يكون أفضل فكرة.

والثاني يتعلق بالتضخم، فإذا بدأ التضخم في اكتساب قوة كبيرة، فلن يكون أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي أي خيار آخر غير زيادة أسعار الفائدة، وإذا حدث ذلك، فيتعيَّن على المرء أن يتطلع إلى زيادة حجم التحوط الذي يتمتع به في محفظته الاستثمارية.

عوامل قد تعرقل صعود الأسهم

هناك بعض الأشياء التي نحتاج إلى الاهتمام بها، أولاً: موقف البنوك الكبرى ورؤيتها للاقتصاد، على سبيل المثال، يرى بنك «غولدمان ساكس» احتمالية بنسبة 15 في المئة لركود الاقتصاد الأميركي.

وستكون البيانات الاقتصادية ذات أهمية كبيرة هنا أيضاً؛ فإذا أظهرت البيانات أداء أقل قليلاً، فلن يؤدي ذلك إلى عرقلة صعود الأسهم، ولكن إذا كان هناك تباطؤ كبير في الأرقام، فيمكن أن يتسبب ذلك في خروج الأسهم عن مسار الصعود.

العامل الأخير الذي قد يرغب المتداولون في الاهتمام به هو موقف السياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي، إذ يعتقد معظم المشاركين في السوق أن البنك انتهى من دورة رفع أسعار الفائدة، رغم أن أغلبية صغيرة تعتقد أنه قد يكون هناك رفع آخر لأسعار الفائدة قبل التوقف الطويل في دورة التشديد النقدي.

* نعيم إسلام متداول سابق في صناديق التحوط ولديه أكثر من 15 عاماً من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، عمل إسلام مع «بنك أوف أميركا» في مجال تداول الأسهم، ومع «بنك نيويورك» في تداولات صناديق التحوط، وهو خبير متخصص في تقنيات البلوكتشين والأصول التقليدية، ومؤسس ورئيس قسم المعلومات في (Zaye Capital Markets) المتخصصة في تقديم الأبحاث حول الأصول التقليدية والرقمية، كما شارك في تأسيس (Compare Broker).

**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».