بدأت أسعار النفط تعاملات هذا الأسبوع على تراجع بعد صعودها على مدار أسبوعين متتاليين، وذلك على الرغم من استمرار الصراع بين إسرائيل وفلسطين للأسبوع الثالث.
أفادت وزارة الصحة الفلسطينية يوم الاثنين بأن أكثر من 182 طفلاً و436 مواطناً فلسطينياً قُتلوا خلال 24 ساعة، وأن إجمالي عدد القتلى تجاوز أكثر من خمسة آلاف شخص منذ بداية الحرب، في حين أن الزعماء الأجانب مثل الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، وغيرهم من زعماء أوروبا الغربية مثل فرنسا أعلنوا دعمهم لإسرائيل.
والسؤال الذي يطرحه المتداولون الآن هو كيف سيؤثر تأييد القادة الغربيين للمزيد من التصعيد على الاقتصاد العالمي، الذي يُظهر أداءً ضعيفاً بالفعل في وقت يبذل فيه محافظو البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم قصارى جهدهم لدفع التضخم للهبوط.
في حقيقة الأمر، يمثل تصعيد التوترات خطراً هائلاً على أسعار النفط والاقتصاد العالمي، وإليكم المزيد حول هذا الموضوع.
المخاوف المتصاعدة بشأن التوترات الجيوسياسية
شهد الأسبوعان الماضيان موجة متجددة من التوترات الجيوسياسية في المنطقة، مع تسارع وتيرة الحرب بين إسرائيل وفلسطين.
لكن قبل الصراع الأخير، اتخذ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بعض التحركات التاريخية في المنطقة عندما أعلن عن تهدئة التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية، في أول مبادرة من نوعها منذ فترة طويلة.
كانت وجهة نظر ولي العهد السعودي هي تحقيق المزيد من السلام في الشرق الأوسط وخلق بيئة إيجابية ليس فقط في المملكة ولكن على مستوى منطقة الشرق الأوسط، لتمكين الشركات ورجال الأعمال من التوسع والازدهار.
وساعدت تلك الجهود بالفعل في تخفيف قلق المتداولين بشأن مخاوفهم السابقة إزاء الشرق الأوسط، خاصة مع وجود احتمالية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، واعتبر المتداولون كل هذه العلامات بمثابة مؤشرات إيجابية للغاية بالمنطقة، وعامل لاستقرار تجارة النفط، في حين بقت الحرب بين روسيا وأوكرانيا عاملاً مهماً يجب مراقبته.
الدعم الغربي لإسرائيل
حقيقة أن الولايات المتحدة ومعظم حلفائها يلقون بثقلهم الكامل خلف إسرائيل قد خلقت انقساماً كبيراً بين زعماء العالم.
ففي حين أعربت بعض الدول مثل الصين، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وإيران، والأردن، وعدد قليل من الدول الأخرى، عن تحفظها الصريح على الحرب الحالية في فلسطين، رأينا الرئيس بايدن ورئيس الوزراء ريشي سوناك يسارعان بزيارة إسرائيل الأسبوع الماضي لإظهار تضامنهما الكامل معها، وأعقب ذلك زيارة الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الهولندي هذا الأسبوع.
واتبع المزيد من قادة العالم مسار إدارة بايدن، إذ تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قادة كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بعد لقاء بايدن الشخصي.
التوترات الجيوسياسية وأسعار النفط
العامل الذي يثير حذر المتداولين حالياً هو أنهم شهدوا بالفعل تأثير التوترات الجيوسياسية على أسعار النفط عندما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وهذه المرة، أصبحت المخاطر أكبر بكثير، إذ اختارت السعودية وقطر والصين بوضوح الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، وتعرضت للنقد من قبل إسرائيل.
وإذا استمرت هذه التوترات في التصاعد، فيمكننا رؤية وضع تصبح فيه إمدادات النفط قضية رئيسية، ولن تتمكن الولايات المتحدة وحدها، بكل احتياطياتها الاستراتيجية، التي استُنفدت بالفعل إلى حد ما، من السيطرة على دوامة أسعار النفط.
وإذا افترضنا أن تصاعد التوترات يستمر إلى الحد الذي يبدأ فيه السعوديون والقطريون عملية قطع إمدادات النفط والغاز عن الدول التي تدعم إسرائيل، فإن الحل الوحيد الممكن الذي ربما يمكن للولايات المتحدة أن تنظر إليه هو التراجع عن العقوبات التي فرضتها، وعلى رأسها العقوبات ضد فنزويلا.
وقد يساعد ذلك على تهدئة الأسواق إلى حد ما، لكن على الجانب الآخر، أعربت كولومبيا وفنزويلا عن دعمهما الكامل لشعب فلسطين، وهذا من شأنه أن يترك للولايات المتحدة وحلفائها خيارات محدودة أو معدومة للسيطرة على أسعار النفط.
لماذا يواصل النفط الانخفاض؟
في الوقت الحالي، تتأثر أسعار النفط بأكثر من عامل، لكنها تخضع بشكل عام لمعادلة العرض والطلب، لذا فإن تحركات الأسعار لا تزال تبدو مربكة للغاية، فعلى الرغم من كل التوترات الجيوسياسية والتهديدات الحالية لإمدادات النفط، تستمر أسعار النفط في الانخفاض.
والسبب الرئيسي وراء ذلك هو احتمال عدم تجاوز الحرب الحالية التي بدأتها إسرائيل لنطاق أوسع لتظل داخل فلسطين فقط، وليس أبعد من ذلك، وهذا الأمل بين المتداولين هو ما يبقي السعر منخفضاً.
بالإضافة إلى ذلك، لم يصدر حتى الآن أي بيان جماعي من السعودية ومنظمة أوبك بلس يهدد بقطع إمدادات النفط ما لم توقف إسرائيل حربها في فلسطين.
كما لا تزال العمليات في فلسطين تشكل تهديداً ضئيلاً أو معدوماً على سوق النفط، لكن إذا تجاوز الوضع هذا النطاق المحدود، فإن حركة السعر يمكن أن تغير اتجاهها بسهولة.
توقعات الحركة السعرية للنفط
حتى الآن، من المرجح أن يستمر السعر في التداول ضمن نطاق محدد، ما يعني أن الدعم أو المستوى الذي سيشهد فيه السعر عمليات شراء كبيرة لخام غرب تكساس الوسيط يظل عند 65 دولاراً، بينما يقترب مستوى المقاومة من 93 دولاراً.
ومع ذلك، كما ذكرت سابقاً، فإن تصاعد التوترات لدرجة تدفع الدول العربية أو دول أوبك بلس لاتخاذ خطوة انتقامية بقطع الإمدادات من شأنه القفز بأسعار النفط نحو مستوى 150 دولاراً.
* نعيم إسلام متداول سابق في صناديق التحوط ولديه أكثر من 15 عاماً من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، عمل إسلام مع بنك أوف أميركا في مجال تداول الأسهم، ومع بنك نيويورك في تداولات صناديق التحوط، وهو خبير متخصص في تقنيات البلوكتشين والأصول التقليدية، ومؤسس ورئيس قسم المعلومات في (Zaye Capital Markets) المتخصصة في تقديم الأبحاث حول الأصول التقليدية والرقمية، كما شارك في تأسيس (Compare Broker).
**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».