مع تصاعد حدة الصراع بين إسرائيل وغزة، يتجه الاقتصادان الفلسطيني والإسرائيلي نحو مصير مجهول، فيما تنتهج إسرائيل استراتيجية اقتصاد الحرب، في محاولة منها لتجاوز ما تعانيه من صعوبات اقتصادية جراء الصراع الحالي.
وتحيط حالة من عدم اليقين بالاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي، وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا إن الصراع بين إسرائيل و غزة مأساة شهدت مهاجمة مدنيين أبرياء، وفاقمت حالة الغموض الاقتصادي العالمية، وفقاً لما أوردته وكالة رويترز.
لكنها في الوقت ذاته تُشكّل أكبر المخاطر الجيوسياسية على أسواق النفط منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير شباط 2022.
ومع إعلان إسرائيل حالة الحرب، قالت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية إن العشرات من المنتجات المستوردة ستُعفى من التفتيش والاعتمادات الأخرى لتيسير دخولها إلى إسرائيل، حتى تسهم في منع حدوث نقص خلال حربها مع حماس.
من جهته، لن يتمكن الجانب الفلسطيني من اتخاذ الإجراء ذاته، إذ تعتمد الضفة الغربية وقطاع غزة على الواردات من وعبر إسرائيل، ما يؤثر في اقتصادهما بالضرورة.
وأوضحت الوزارة الإسرائيلية أن المستوردين سيُعفَون من استخراج شهادة امتثال للشروط القياسية التي يُلزَمون بها بصورة روتينية، دون الإعفاء من الامتثال للاشتراطات القياسية، وفقاً لرويترز.
وأفادت أن قائمة السلع المستوردة المشمولة في الإعفاء تشمل تلك التي يمثل الإفراج عنها أولوية قصوى، وتتضمن الملابس ومعدات الحماية المدنية ومياه الشرب لحالات الطوارئ وحاويات التخزين والبطاريات القابلة للشحن والبطاريات الاحتياطية.
تلك الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل، تعيد إلى الأذهان مفهوم اقتصاد الحرب.. فما هو؟ وهل ينجح في دعم اقتصاد دولة في حالة حرب أو يضر أخرى لم تتمكن من تبني إجراءاته؟ وما أبرز الدول التي لجأت إلى إعلان اقتصاد الحرب؟
مفهوم اقتصاد الحرب
يُعرّف اقتصاد الحرب بأنه تنظيم القدرة الإنتاجية والتوزيعية للدولة خلال فترة صراع أو بالأحرى في حالة حرب، ما يستدعي إجراء تعديلات جوهرية على إنتاجها الاستهلاكي لاستيعاب احتياجات الإنتاج الدفاعي.
يعطي اقتصاد الحرب، الأولوية لإنتاج السلع والخدمات التي تدعم الجهود الحربية، دون أن يغفل عن دعم الاقتصاد الكلي، بداية من التغيرات التي تطرأ على الناتج الاقتصادي، ومعدلات التضخم، وصولاً إلى أسعار الصرف، وميزان المدفوعات.
خلال أوقات النزاع، قد تتخذ الحكومات تدابير لتحديد أولويات نفقات الدفاع والأمن القومي، ومع هذه الفترات الصعبة تتحكم الحكومة في توزيع السلع والخدمات، وكذلك تخصيص الموارد.
في أوقات الحرب، تتعامل كل دولة مع إعادة تشكيل اقتصادها بطريقة مختلفة، وقد تعطي بعض الحكومات الأولوية للإنفاق في أمور معنية دون غيرها.
وغالباً ما يكون اقتصاد الحرب مسؤولاً عن التقدم الصناعي والتكنولوجي والطبي؛ لخلق منتجات أفضل بتكلفة أرخص.
أمثلة عالمية على اقتصاد الحرب
أعلنت العديد من البلدان عن تبني إجراءات اقتصاد الحرب خلال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك دول الحلفاء وقوات المحور، وكانت ألمانيا قد بدأت بالفعل في التحول إلى اقتصاد الحرب قبل إعلان الحرب رسمياً، ما ساعدها في حملة إعادة التسلح، وتحوّل الإنتاج إلى الأسلحة والمعدات القتالية، على حساب السلع الكمالية، وبالتالي تضرر القطاع الزراعي نتيجة الاعتماد المبالغ فيه على موارده.
مثال آخر لاقتصاد الحرب هو الاقتصاد الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية، فحياد الولايات المتحدة حتى الهجوم على بيرل هاربور سمح لها ببناء علاقات تجارية مع قوى التحالف، ما عزز من قوة اقتصادها، واستطاعت أميركا تحويل التصنيع نحو المعدات العسكرية والذخائر.
هل ينجح الأمر؟
بالنسبة لدولة ذات اقتصاد حرب، تُستخدم أموال الضرائب في المقام الأول في الدفاع، وبالمثل إذا كانت البلاد تقترض مبالغ كبيرة من المال، فقد تذهب هذه الأموال للحفاظ على الجيش وتلبية احتياجات الأمن القومي، كما يمكن للدول تحفيز الشركات على تحويل إنتاجها نحو المعدات العسكرية وغيرها من الأصول الدفاعية التي تكون أكثر فائدة للمجهود الحربي.
وذلك عكس الدول التي لا تشهد مثل هذه الصراعات، إذ عادة تُستخدم عائدات الضرائب والأموال المقترضة لتحسين البنية التحتية والبرامج المحلية.
لا يعتبر نجاح اقتصاد الحرب مضموناً، فمن ناحية يُستخدم بالفعل كسلاح اقتصادي، وذلك لأن الحكومات تعطي الأولوية لإنتاج السلع والموارد الداعمة للجهود الحربية، كما يمكن للحكومات جمع إيرادات إضافية لدعم اقتصاد الحرب من خلال إصدار أدوات مالية مثل سندات الحرب، أو من خلال زيادة الضرائب، إلا أن الضغط الهائل على قطاع بعينه قد يضره ويهبط بالأداء الاقتصادي، فضلاً عن التأثير السلبي الذي تخلفه الحرب على الاقتصاد بشكل عام، فالدول تتكبد الخسائر باستمرار نتيجة تأثر القطاعات الحيوية بالصراع، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الإنفاق العسكري.
كم تنفق إسرائيل على جيشها؟
في عام 2022، أنفقت إسرائيل 23.4 مليار دولار على جيشها، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وفي العام ذاته خصصت 4.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي للجيش.
وخلال الفترة بين عامي 2018 و2022، أنفقت إسرائيل على جيشها نحو 2535 دولاراً للفرد.
كانت ميزانية الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك المساعدات الأميركية، أظهرت نمواً قوياً، إذ ارتفعت من 19.3 مليار دولار في عام 2019 إلى 23.6 مليار دولار في عام 2023، ما يعكس معدل نمو سنوي مركب قدره 5.2 في المئة.
وأوضحت وزارة الدفاع الإسرائيلية في تقرير لها أن حجم الدعم المادي للجيش يتأثر بمعدلات التضخم العالمية، علماً أن إسرائيل كانت تسعى إلى تخفيض حجم الإنفاق لخفض عجز ميزانيتها، وفقاً لاستراتيجيتها للأمن القومي 2030.
ووفقاً لتقرير حديث، فمن المتوقع أن ترتفع ميزانية الدفاع بما في ذلك المساعدات الأميركية من 24.4 مليار دولار في 2024 إلى 27.5 مليار دولار في 2028.
إسرائيل بين حرب محتملة وخسائر اقتصادية
استدعت الحكومة الإسرائيلية نحو 360 ألفاً من جنود الاحتياط بجيشها، وفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، ما أثار الشكوك بقدرتها على شن حرب طويلة الأمد، خاصة مع التداعيات الاقتصادية.
ويعمل جنود الاحتياط الذين تستدعيهم تل أبيب في حال وجود صراعات في قطاعات مدنية في أوقات السلم، لذلك يمكن أن يتأثر الاقتصاد الإسرائيلي، في وقت يخسر اقتصاد إسرائيل بالفعل قبل هجوم حماس، ومع إعلان إسرائيل حالة الحرب وتهديدها باستمرار حربها على غزة يمكن أن ترتفع تكلفة هذه الحرب، ويطول أمدها، ما يتسبب بتأثير سلبي أكبر على اقتصاد إسرائيل.
ويؤدي ضم آلاف المجندين من الاحتياط، إلى خروجهم من الدورة الاقتصادية، إضافة إلى تراجع الحركة الاقتصادية التي يخلقها الفلسطينيون الذين يستخدمون الشيكل كعملة نقدية.
تمتد الأزمة الاقتصادية لإسرائيل قبل الحرب على غزة، فانخفاض الناتج المحلي الإجمالي وتوقعات صندوق النقد الدولي باستمرار انخفاضه حتى 2028، لا تعتبر المشكلة الوحيدة التي تواجهها، إذ انخفضت قيمة الشيكل لأدنى مستوياته في ثلاثة أعوام، وفقدت سوق الأسهم نحو 10 في المئة من قيمتها، لتصبح أحد أسوأ الأسواق أداء هذا العام، وذلك في وقت تعاني فيه إسرائيل أصلاً من أزمة تضخم مرتفع، علماً أن نسبة التضخم في أغسطس آب بلغت 4.1 في المئة.
كما تسببت إجراءات الحكومة الإسرائيلية، في انتشار حالة من عدم اليقين والاضطراب بين رواد الأعمال الإسرائيليين، الذين قرروا تحويل أموالهم وموظفيهم إلى الخارج، كما حرصت العديد من الشركات الإسرائيلية على الدمج مع نظيراتها الأميركية.
ويعتمد اقتصاد إسرائيل على التكنولوجيا بشكل أساسي، فهو القطاع الأسرع نمواً خلال العقود الماضية، كما يمثل نحو 14 في المئة من الوظائف، ونحو خُمس الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل.
لكن في أعقاب طوفان الأقصى، تضررت أسهم الشركات التكنولوجية والسندات بالفعل، كما أغلقت العديد من الشركات أبوابها في اليوم الذي تلا هجوم حماس، وبذلك فإن جراح الاقتصاد الإسرائيلي ستتعمق لأن قطاع التكنولوجيا -على الرغم من سرعة نموه- عانى من التباطؤ منذ بداية العام الحالي نتيجة الصراعات السياسية الداخلية إضافةً إلى الاحتجاجات المستمرة.
كانت إسرائيل تسعى لإنعاش حركة السياحة، متفائلة بالنمو الذي حققته في أغسطس آب، إذ ارتفع عدد السائحين إلى 284 ألفاً من مستوى 270 ألف سائح خلال شهر يوليو تموز، وكان مايو أيار الماضي أكثر الشهور التي شهدت نمواً في عدد السائحين إلى 376.4 ألف سائح، علماً أن القطاع يشكّل 3.6 في المئة من إجمالي القوة العاملة في إسرائيل وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ لكن القطاع بدأ يتضرر بالفعل، وأُلغيت نصف الرحلات الجوية المقررة إلى تل أبيب، كما انخفضت أسهم شركات الطيران الإسرائيلية.
أما مؤشر (تل أبيب 125) فيواصل نزيف النقاط، وتأثر بذلك عدد من القطاعات المدرجة بالبورصة الإسرائيلية، منها قطاع الطاقة، وقطاع العقارات، وقطاع المنتجات الدورية للمستهلكين، الذي يشمل خطوط الطيران وتجارة التجزئة والفنادق والمطاعم.