ينتشر على نطاقٍ واسع المعتقد بأن بنوك وول ستريت وكبار المستثمرين هم الأكثر ذكاءً في قياس معنويات السوق، ويتمتعون دائماً بالأفضلية في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد العالمي و سوق الأسهم بسبب الأدوات غير العادية والمواهب التي لديهم.

لكن عمالقة وول ستريت، أو ما يسمون بأصحاب «الأموال الذكية»، كانوا مخطئين إلى حد كبير، في حين كان تجار التجزئة، الذين يُطلق عليهم إلى حد كبير أصحاب «الأموال الغبية»، على حق بشأن معنويات السوق وارتفاع سوق الأسهم الذي شهدناه عام 2023 وسط تهديدات الركود الهائلة.

توقعات كبار المستثمرين لعام 2023

في بداية العام الماضي، كان عمالقة وول ستريت والشركات الكبرى متشائمين بشكلٍ كبير بشأن عام 2023، إذ كانوا يكررون بكثرة وبصوت عالٍ أن الوقت حان للاستعداد لركود سيستمر فترة أطول بكثير، وأن أسواق الأسهم، وخاصة في الولايات المتحدة، ستشهد انهياراً خطيراً.

كان السبب الرئيسي وراء تشاؤمهم وتشبث كثير منهم مثل بنك مورغان ستانلي بهذه الرؤية خلال معظم عام 2023، هو توقعهم بانكماش هوامش أرباح الشركات الأميركية، وانخفاض الثقة بين المستهلكين، وبأن تدفع دورة رفع أسعار الفائدة من قِبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الاقتصاد الأميركي نحو مستوى يُسمَّى بالركود الحاد، ما يؤدي إلى العديد من حالات الإفلاس.

وكان مايك ويلسون من مورغان ستانلي وميغان سويبر من بنك أوف أميركا ضمن أسماء الخبراء الذين توقعوا انهياراً خطيراً في أسواق الأسهم الأميركية، وأشادوا بفكرة أن الملاذ الآمن للمستثمرين سيكون في سوق الخزانة الأميركية.

أمّا بالنسبة لأكبر عملاق على الإطلاق في وول ستريت، فقد كان بنك غولدمان ساكس يدق طبوله بالقول إن الصين سوف تنتعش بشكلٍ كبير عام 2023 بفضل تخفيف القيود، كما أن الازدهار في الاقتصاد الصيني سيدفع بقية الاقتصادات للارتفاع.

على سبيل المثال، حدد مايك ويلسون، الاستراتيجي الذي يحظى باحترام كبير في مورغان ستانلي، السعر المستهدف لمؤشر إس آند بي 500 لعام 2023 عند 3900 نقطة، لكن استعاد المؤشر بالفعل جميع خسائره من عام 2022 في وقتٍ مبكر من العام، وارتفع بنسبة 19 في المئة بحلول يوليو تموز ليصل إلى مستوى 4500 نقطة.

لذلك، اعترف فريق مورغان ستانلي بأنهم ارتكبوا خطأً في التوجيه والتوصية، لكنهم استمروا في نظرتهم الحذرة، معتقدين أن المؤشر سينخفض، ومع ذلك، ارتفع مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 25 في المئة منذ بداية العام حتى 29 ديسمبر كانون الأول، وبلغ 4783 نقطة في وقت كتابة هذا التقرير.

وعند الحديث عن دعوة غولدمان ساكس التي أوصت المشترين بشراء الأسهم الصينية، نجد أنه انخفض مؤشر شنغهاي المركب بأكثر من 4.54 في المئة ويتداول بالقرب من أدنى مستوياته خلال العام في وقت كتابة هذا التقرير، وعلى هذا فإن أذكى وأكبر بنك في وول ستريت كان من الممكن أن يتسبب في خسارة المستثمرين ما يقرب من خمسة في المئة من ثرواتهم ذلك العام.

وكان الخيار المفضل أو التوصيات، ممن يسمون بأصحاب الأموال الذكية بيع الأسهم الأميركية عام 2023، وشراء سندات الخزانة، وكذلك شراء الأسهم الصينية، ولكن كانت كل هذه التوصيات خاطئة إلى حد كبير، وكان من الممكن أن تجعل المستثمرين يخسرون رأس مال كبيراً إذا اتبعوها، وخاصة مع دفع مبلغ ضخم مقابل اشتراكاتهم للحصول على مثل هذه التوصيات.

ماذا بعد؟

بشكلٍ عام، تعتبر السياسة النقدية حذرة عندما يخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة، ويقدّم دعماً نقدياً للأسواق، وهذا النهج يعتبر إيجابياً للغاية بالنسبة لسوق الأوراق المالية، ولقد رأينا هذه العملية مرات عديدة منذ الأزمة المالية.

لذا، فمع حلول عام 2024، أعتقد أنه إذا لم نشهد ركوداً حاداً، فإن المشهد العام لسوق الأسهم سيظل قوياً، وذلك لأن ثقة المستهلك عام 2023 دعمت الاقتصاد الأميركي وأيضاً الاقتصادات الأخرى، وكل هذا جلب مفاجآت إيجابية للمستثمرين في السوق، وسط إحدى أكثر السياسات النقدية تشدداً التي تبنتها البنوك المركزية في أنحاء العالم كافة.

ولكن مع حلول عام 2024، فإن الإجماع العام هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبنك إنجلترا، والبنك المركزي الأوروبي، والبنوك المركزية الأخرى سوف تخفف أسعار الفائدة، وأعتقد أنه من المحتمل جداً أن نشهد انخفاض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس على الأقل باعتباره السيناريو الأسوأ، الأمر الذي من شأنه أن يحفّز الثقة بين المستثمرين.

ويعتقد بنك غولدمان ساكس أن عام 2024 سيكون عاماً إيجابياً لسوق الأسهم الأميركية، وقد حدد سعراً مستهدفاً لمؤشر إس آند بي 500 عند 5100 نقطة لهذا العام، بينما لا يزال بنك مورغان ستانلي متشائماً، ويعتقد أن المؤشر سينهي العام عند مستوى 4500 نقطة.

توقعات غولدمان ساكس ومورغان ستانلي لمؤشر إس آند بي 500

في الختام، أعتقد أن التضخم سيستمر في الاتجاه الهبوطي عام 2024، ما يعني أنه سيكون هناك ضغط أقل على البنوك المركزية، والذي بدوره سيؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة.

كما أعتقد أنه إذا انخفضت أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس فقط، فسنظل نرى مؤشر إس آند بي 500 يتحرك للأعلى، ويغلق فوق المستويات التي هو عليها اليوم، وهي 4700 نقطة.

* نعيم إسلام متداول سابق في صناديق التحوط ولديه أكثر من 15 عاماً من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، عمل إسلام مع بنك أوف أميركا في مجال تداول الأسهم، ومع بنك نيويورك في تداولات صناديق التحوط، وهو خبير متخصص في تقنيات البلوكتشين والأصول التقليدية، ومؤسس ورئيس قسم المعلومات في (Zaye Capital Markets) المتخصصة في تقديم الأبحاث حول الأصول التقليدية والرقمية، كما شارك في تأسيس (Compare Broker).

**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».