سيطرت على المستثمرين حالة من التشاؤم منذ أن حطم رئيس الاحتياطي الفيدرالي الآمال بشأن خفض أسعار الفائدة، الذي كان يأمل الكثيرون أن يحدث في وقتٍ مبكر من شهر مارس آذار هذا العام.

ولم تكن توقعات خفض الفائدة في مارس آذار نابعة من صغار المستثمرين، خاصة مستثمري التجزئة، لكنها في الواقع كانت من أذكى عمالقة وول ستريت، مثل غولدمان ساكس الذي استهدف مارس آذار، باعتباره الشهر المحتمل لبدء الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة بعد فترة طويلة من الفائدة المرتفعة.

ومع انتهاء أول اجتماع للفيدرالي الأسبوع الماضي، بدأ المتداولون إعادة النظر فيما قد يدفع الفيدرالي لخفض الفائدة في مارس آذار، بينما يعتقد البعض أن هذه الاحتمالية تتلاشى، كما قد يختفي احتمال خفض الفائدة في مايو أيار.

كيف رأت الأسواق اجتماع الاحتياطي الفيدرالي؟

شهدنا الأسبوع الماضي أهم حدث لهذا العام عندما ظهر رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وأعلن بوضوح شديد أنهم لم يقتربوا بما يكفي لإعلان النصر في معركة التضخم.

وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي في بيانه إن خفض سعر الفائدة في اجتماع مارس آذار ليس مطروحاً للمناقشة، إذ لا يزال التضخم يمثّل تهديداً وهناك سيناريوهات محتملة بأن يستمر التضخم في البقاء أعلى بكثير من الهدف البالغ 2 في المئة لفترة طويلة من الوقت.

بذكره ذلك، كان باول واضحاً في إرسال رسالة مفادها أن شيئاً ما يجب أن يتغير حتى يتمكن الاحتياطي الفيدرالي من إعلان النصر في حربه على التضخم، فإما سيتعين عليهم تعديل مستهدف التضخم البالغ 2 في المئة أو سيجرون تغييراً جذرياً آخر من أجل دفع التضخم إلى مستهدف البنك، في الوقت الحالي من الواضح أن التضخم سيظل أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي.

أما بالنسبة للاعبين في السوق، فقد كان قرار الاحتياطي الفيدرالي بمثابة صفعة كبيرة حقيقية لتوقعاتهم، وذلك لأن الأسواق بحاجة إلى موقف أكثر تشاؤماً من البنك، خاصة أن تصريحات الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر كانون الأول، كانت تشير إلى أن الفيدرالي مستعد لخفض أسعار الفائدة.

وبالفعل، كان موقف الاحتياطي الفيدرالي متشائماً للغاية في اجتماع ديسمبر كانون الأول، لكن اللاعبين في السوق أخرجوا ذلك من سياقه، وبدؤوا في التخطيط لصفقاتهم اعتماداً على افتراض أنه سيتجه إلى خفض سعر الفائدة في مارس آذار، قبل أن يصطدموا بتعليقات الفيدرالي الأسبوع الماضي.

لماذا يعتبر تقرير الوظائف مهماً لتقييم تخفيضات الفائدة؟

أولاً، كان يوم الجمعة مهماً للغاية؛ إذ صدرت فيه بيانات التوظيف في القطاع العام غير الزراعي الأميركي (NFP)، التي يراقبها الاحتياطي الفيدرالي عن كثب، حتى يتمكن من قياس صحة الاقتصاد الأميركي.

وأظهرت سوق العمل خلال الأشهر والأرباع الأخيرة نمواً جيداً حقاً، وتستمر في إظهار مرونة كبيرة، ومع ذلك في الأشهر القليلة الماضية كانت لدينا من جديد أنباء عديدة من شركات التكنولوجيا والقطاعات المصرفية وحتى في قطاع المرافق، تضمنت تخفيضات كبيرة في الوظائف، ورغم أن هذا لن يؤثّر في عدد الوظائف اليوم، فإنه من المؤكد أن التقييم العام سوف يتأثر إذا أردنا قياس صحة سوق العمل في الولايات المتحدة.

وما يمكن أن يغير نبرة الاحتياطي الفيدرالي فيما يتعلق باجتماعه في مارس آذار، أو يجعله يتراجع عمّا قاله الأسبوع الماضي ليس فقط انخفاض في الوظائف عن التوقعات بفرق ضئيل، بل تخفيضات تقارب نحو 50 ألف وظيفة، وهو رقم يمكن أن يكون له صدى في بيانات الشهر المقبل.

ومع ذلك، لن يجعل ذلك بنك الاحتياطي الفيدرالي يغير روايته، إذ إنه يود أن يرى أن قراءات التضخم تُظهر بعض علامات الاستقرار حول المستوى الحالي مع تحرك تدريجي أو تفاؤل بالانخفاض، إذا رأينا هذين الشرطين يتزامنان مع بعضهما بعضاً، فسوف يميل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشدة إلى تفعيل زر خفض الفائدة في وقتٍ أبكر مما كان متوقعاً.

وكما قال جيروم باول في تعليقه، يبدو أننا نتجه نحو هبوط ناعم، لكن إذا لم ينجح البنك في تحقيق ذلك، فقد يؤدي التباطؤ الكبير في سوق العمل إلى تغيير الاحتياطي الفيدرالي موقفه، وربما يكون خفض سعر الفائدة في شهر مارس آذار أمراً ممكناً.

ماذا تخبرنا أرقام الوظائف الأميركية؟

فوجئت الأسواق بشدة من البيانات الأخيرة، إذ أكدت بيانات التوظيف أن سوق العمل الأميركية تعمل بكامل قوتها، وقفزت أعداد الوظائف غير الزراعية بواقع 335 ألف وظيفة، بينما كانت التوقعات 185 ألفاً، كما استقر معدل البطالة في الولايات المتحدة عند 3.7 في المئة، بأفضل من التوقعات البالغة 3.8 في المئة.

هذه الأرقام تطرب آذان أعضاء الاحتياطي الفيدرالي، لأنها تظهر أن سوق العمل قوية، لكن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، وهذا هو رقم نمو الأجور، الذي جاء أقوى بكثير، إذ نما متوسط ​​الأجر في الساعة بنسبة 0.6 نقطة مئوية على أساس شهري، مقابل التوقعات البالغة 0.3 نقطة مئوية.

أخبرنا هذا الرقم بوضوح الآن أن خفض سعر الفائدة في شهر مارس آذار لم يعد مطروحاً على الطاولة، ويجب على المتداولين ألّا يفكروا في خفض سعر الفائدة في وقت مبكر، إذ فرض ارتفاع الأجر في الساعة المزيد من المخاطر على معدل التضخم في الولايات المتحدة، ما يعني أننا قد لا نرى قدراً كبيراً من الاستقرار في معدل التضخم كما توقع الكثيرون.. وهذا يعني أيضاً إمكانية تلاشي احتمالات خفض أسعار الفائدة في شهر مايو أيار.

كيف كان رد فعل السوق؟

يستوعب اللاعبون في السوق أحداث الأسبوع الماضي، ويُظهر الرسم البياني أدناه أن الثيران يتحكمون في حركة السعر، إذ يستمر السعر في الصعود، ويشكّل قمماً وقيعاناً أعلى.

ومن شأن عمليات البيع المتواضعة أن تدفع الأسواق نحو منطقة الدعم الأولى الموضحة باللون الأخضر الفاتح، في حين قد تؤدي عمليات البيع العميقة إلى دفع السعر نحو الخط الأخضر الغامق، التي قد تمثل فرصة لأوامر شراء أكبر لدفع الأسواق للأعلى مرة أخرى.

رسم بياني لحركة موشر داو جونز الصناعي

لذا، في الوقت الحالي، سيقيم المتداولون توقعاتهم، وسوف ينظرون إلى مايو أيار باعتباره اجتماعاً محتملاً لخفض سعر الفائدة، أمّا بالنسبة للأسواق، فبعد انقشاع غبار تقرير الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة، ستستمر الأسواق في متابعة تقارير أرباح الشركات، التي تواصل إظهار أن قطاع التكنولوجيا لا يزال قوياً إلى حد كبير.

* نعيم إسلام، متداول سابق في صناديق التحوط ولديه أكثر من 15 عاماً من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، عمل إسلام مع بنك أوف أميركا في مجال تداول الأسهم، ومع بنك نيويورك في تداولات صناديق التحوط، وهو خبير متخصص في تقنيات البلوكتشين والأصول التقليدية، ومؤسس ورئيس قسم المعلومات في (Zaye Capital Markets) المتخصصة في تقديم الأبحاث حول الأصول التقليدية والرقمية، كما شارك في تأسيس (Compare Broker).

**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».