يمكن تسميتها بالمعادلة الأميركية.. إنها قصة أسعار الفائدة التي لا تزال عند أعلى مستوى لها في 23 عاماً، ورغم ذلك فإن البطالة منخفضة، والأسهم وصلت إلى مستويات قياسية، ولا يوجد ركود في الأفق.

الحديث عن هذه المعادلة يفرض نفسه مع بدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي اجتماعه يوم الثلاثاء 19 مارس آذار، وينتظر أن يسفر عن قرار حول أسعار الفائدة بنهاية الانعقاد يوم الأربعاء 20 مارس آذار الجاري.

لكنَّ الاقتصاديين في حيرة من أمرهم، كلما رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمحاربة التضخم المرتفع، تزداد مخاطر الركود، وانخفض الاقتصاد الأميركي عادةً إلى الانكماش الاقتصادي تحت وطأة ارتفاع تكاليف الاقتراض، لكن هذا لم يحدث بعد هذه المرة، فما السبب؟

أسباب عدم حدوث الركود بأميركا

يقول الاقتصاديون إن الاقتصاد الأميركي لا يزال قوياً بشكل ملحوظ، على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، ويرجع هذا جزئياً إلى معدلات الرهن العقاري المنخفضة للغاية للمنازل التي احتفظ بها أصحابها أثناء الجائحة، عندما خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى الصفر تقريباً؛ إلى جانب الموارد المالية المنزلية المنتظمة بشكل عام للعديد من الأميركيين في السنوات الأخيرة.

وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول لشبكة «سي بي إس» الشهر الماضي «إنه من الأهمية بمكان أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة بالوتيرة العدوانية التي فعلها، حتى لو كان ذلك يعني أن الأميركيين قد يشعرون ببعض الألم».

وأضاف «كنت صادقاً في القول إننا اعتقدنا أنه سيكون هناك ألم.. واعتقدنا أن الألم سيأتي على الأرجح، كما حدث في العديد من الدورات الماضية، في شكل بطالة أعلى.. هذا لم يحدث».

وفي حين أنها ظاهرة حيرت العديد من الاقتصاديين، إلا أنها -والأهم من ذلك- أنقذت الأميركيين حتى الآن من الألم الاقتصادي الذي لا يرحم للركود.

مصطلح «الأصفاد الذهبية»

الأداة الرئيسية التي يستخدمها بنك الاحتياطي الفيدرالي لإدارة الاقتصاد وتنفيذ السياسة النقدية هي تحديد سعر الفائدة الرئيسي، والذي يؤثر على تكاليف الاقتراض، فكلما احتاج إلى تهدئة الاقتصاد من خلال جعل الاقتراض أكثر تكلفة، يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، ما يؤدي بعد ذلك إلى خفض التضخم.

والرهن العقاري هو نوع ضخم من الديون، ولكن الأهم أنه من الديون التي يتحملها الأميركيون لشراء منزل، وهو يخضع بشدة لقرارات سعر الفائدة الفيدرالية.

والحقيقة أن هذه القناة الرئيسية لنقل السياسة النقدية إلى الاقتصاد الحقيقي الأوسع لم تعمل كما كانت في الماضي، فغالبية الديون في الرهون العقارية والكثير من الأشخاص الذين احتفظوا بمعدلات منخفضة للرهن العقاري يطلبون من بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة كما يريد، فوفقاً لكبير الاقتصاديين في «أليانز تريد»، دان نورث، في حديثه إلى شبكة CNN «إنهم محتفظون بمعدلات الفائدة المنخفضة لمدة 20 أو 30 عاماً قادمة».

فقد خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل كبير في الأيام الأولى لوباء كوفيد 19 للمساعدة في دعم اقتصاد يتعامل مع ارتفاع معدلات البطالة، ما دفع معدلات الرهن العقاري إلى الانخفاض أيضاً جنباً إلى جنب، ولكن عندما انتعش الاقتصاد الأميركي بشكل حاد في عام 2021، فتح الباب أمام جنون شراء المساكن، مع استمرار معدلات الرهن العقاري عند مستويات منخفضة للغاية.

وهؤلاء أصحاب المنازل الذين حصلوا على معدل رهن عقاري ميسور التكلفة بنسبة 3 في المئة على سبيل المثال، من غير المرجح أن يستبدلوه بأي شيء أعلى، وبلغ متوسط الرهن العقاري ثابت السعر لمدة 30 عاماً 6.74 في المئة في الأسبوع المنتهي في 14 مارس آذار، وفقاً لبيانات من فريدي ماك.

وهذا أقل من أعلى مستوى في عقدين من الزمن عند 7.79 في المئة في أواخر أكتوبر تشرين الأول، ولكنه أعلى من أي شيء شوهد من 2008 إلى 2022، هذه المعدلات المنخفضة للغاية هي ما يسمى بـ«الأصفاد الذهبية» التي تمنع العديد من مالكي المنازل من بيع منازلهم، حتى لو كانوا بحاجة إلى ذلك أو يريدون ذلك.

وعكس مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في أحدث توقعاتهم الاقتصادية من ديسمبر كانون الأول أنهم يتوقعون خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام، ما سيخفض أيضاً معدلات الرهن العقاري، وسيصدرون توقعات جديدة يوم الأربعاء عندما يعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي عن قراره الأخير بشأن سعر الفائدة.

ميزانيات الأسرة القوية

كانت الشؤون المالية للمستهلكين في حالة ممتازة عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، وقام العديد من الأميركيين بتجميع حسابات التوفير الخاصة بهم في عامي 2020 و2021 بفضل مدفوعات التحفيز المتعلقة بالجائحة وعدم الإنفاق على الخدمات بسبب القيود في ذلك الوقت تقريباً.

كان سوق العمل ساخناً أيضاً عندما عاد الاقتصاد من الوباء في عام 2021، حيث تنافس أصحاب العمل على العمال من خلال رفع الأجور وتعزيز المزايا، كما يواصل أرباب العمل توظيف العمال، ولا تزال البطالة أقل من 4 في المئة ولا يزال العمال يحققون مكاسب أقوى في الأجور من أي شيء شوهد في أوقات ما قبل الوباء، وارتفع صافي ثروة الأميركيين بوتيرة تاريخية من 2019 إلى 2022، وفقاً للمسح الذي يجريه بنك الاحتياطي الفيدرالي كل ثلاث سنوات لتمويل المستهلك.

كل هذا يعني أن الأميركيين كانوا مجهزين جيداً للتعامل مع آثار أسعار الفائدة المرتفعة، وكما تقول كارين مانا، مديرة محفظة العملاء في «فيديريتد هيرميس» لشبكة CNN «كانت الميزانيات العمومية للمستهلكين صحية مع معدلات ديون منخفضة إلى حد ما»، وتضيف «تعمل محافظهم الآن بشكل جيد للغاية، كما أن استثماراتهم ذات الدخل الثابت تمنحهم المزيد، لذلك لا أحد يشعر بأنه مضطر إلى تسليم ديونه وحساب أسعار فائدة أعلى، لذلك هذا ظرف مختلف كثيراً عما رأيناه في التاريخ».

ويستمر اجتماع صنع السياسة للبنك المركزي الأميركي في اجتماع مارس يومي الثلاثاء والأربعاء 19 و20 من هذا الأسبوع، مع إعلان القرار الساعة 2 ظهراً بتوقيت واشنطن (6 مساءً بتوقيت غرينتش)، يوم الأربعاء، يليه مؤتمر صحفي بقيادة رئيس الفيدرالي جيروم باول الساعة 2:30 مساءً (6:30 مساءً بتوقيت غرينتش)، حيث يتوقع المحللون أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة ثابتاً للاجتماع الخامس على التوالي.