بعد الجائحة والحرب في أوكرانيا، وصدمة التضخم التي أعقبت ذلك، أصبح الاقتصاد العالمي في حالة غير مستقرة، وآخر شيء يحتاجه الآن هو مفاجأة سيئة أخرى من العيار الثقيل.

كاد أن يحدث ذلك مؤخراً حينما أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيراً بأن بلاده على شفا حرب أهلية على غرار عام 1917.

وقد يكون فتيل التمرد المسلح قد نُزع في الوقت الحالي؛ لكن التحدي الأكثر خطورة لسلطة بوتين منذ 23 عاماً ما زال يهدد بالدخول في فترة من الاضطرابات.

قال الأستاذ بجامعة ييل والخبير الروسي جيفري سونينفيلد لشبكة «CNN» إن «بوتين يعاني من فوضى عارمة الآن».

في أعقاب الغزو الروسي على أوكرانيا في فبراير شباط العام الماضي، خرجت روسيا من صفوف أكبر 10 اقتصادات في العالم، مع ناتج محلي إجمالي يقارب حجم أستراليا، لكنها في الوقت ذاته، واحدة من أكبر موردي الطاقة للأسواق العالمية، بما في ذلك الصين والهند، على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة.

وبذلك، فإن أي خسارة ذات مغزى للطاقة الروسية، ستجبر الصين والهند على التنافس مع الدول الغربية على الإمدادات من المنتجين الآخرين.

إذا كانت الفوضى السياسية تقيد صادرات السلع الأخرى، مثل الحبوب أو الأسمدة، فقد يؤدي ذلك أيضاً إلى إبعاد العرض والطلب؛ ما قد يتسبب في ارتفاع الأسعار.

قال ريتشارد برونز، رئيس الجغرافيا السياسية والشريك المؤسس في «إنرجي أسبكتس»، إن الأسواق ستحتاج الآن إلى معرفة مدى ارتفاع الأسعار لتعكس الخطر الأكبر على الإمدادات الروسية، وهي وجهة نظر يشاركها محللون آخرون.

وقال مات سميث، كبير محللي النفط في «كبلر» إن «محاولة الانقلاب هذه لا تجلب إلا حالة من عدم اليقين، والتي يمكن أن تنعكس على ارتفاع الأسعار».

ارتفعت أسعار الطاقة والغذاء العالمية في أعقاب غزو أوكرانيا العام الماضي، ما أدى إلى زيادة التضخم في أوروبا والولايات المتحدة.

لقد هبطت من أعلى مستوياتها منذ عدة عقود، لكن معركة السيطرة على الأسعار لم تنتهِ بعد وهي الآن في مرحلة حاسمة.

منعطف حرج

قال بنك التسويات الدولية «بنك البنوك المركزية» في تقريره السنوي يوم الأحد «ستكون المرحلة الأخيرة من رحلة استعادة استقرار الأسعار هي الأصعب».

وأضاف أن «هناك مخاطرة مادية من أن سيكولوجية التضخم سوف تترسخ، ما يؤدي إلى ما يصفه الاقتصاديون بأنه دوامة الأجور».

يمر الاقتصاد العالمي بمنعطف حرج، تشير الدلائل إلى أن الطلب العالمي على الطاقة قد يضعف هذا العام مع تباطؤ الاقتصادات، إضافة إلى انخفاض أسعار النفط الخام الأميركي بنحو 14 في المئة حتى الآن هذا العام إلى ما يقل قليلاً عن 70 دولاراً للبرميل.

كما يمكن أن تتعرض قدرة روسيا على الاستمرار في إمداد أسواق الطاقة العالمية للخطر، لذلك سيراقب صانعو السياسة في الغرب وأكبر عملاء البلاد في آسيا هذا الأمر بترقب.

وقال برونز «إذا تسبب أي شيء في تعطيل تلك التدفقات، فسيشكل ذلك خطراً على أسعار النفط، خاصة أننا نتجه بالفعل إلى توقعات بتجاوز الطلب العالمي على النفط العرض بشكل كبير».

إنذارات تحذيرية

تقدم ليبيا وفنزويلا إنذارات تحذيرية حول إمكانية تأثير الحرب الأهلية والصراعات السياسية الداخلية في صادرات الطاقة.

انخفض إنتاج ليبيا من النفط من 1.7 مليون برميل يومياً إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 365 ألفاً فقط في عام 2020، وفقاً لوكالة معلومات الطاقة الأميركية.

كما وصل الإنتاج الفنزويلي إلى أدنى مستوياته منذ عدة عقود في العام ذاته، وفقاً لتحليل أجراه مجلس العلاقات الخارجية.

أما روسيا فهي لاعب أكثر أهمية بكثير، إذ تنتج أقل بقليل من عشرة ملايين برميل من النفط يومياً، أي ما يعادل نحو عشرة في المئة من الطلب العالمي، كما تصدّر نحو ثمانية ملايين برميل يومياً، علماً أنها ثاني أكبر قوة بهامش كبير بعد المملكة العربية السعودية في تحالف «أوبك+» لكبار منتجي الطاقة.

كان للعقوبات الغربية تأثير في خفض مقدار الأموال التي تجنيها موسكو من الطاقة، لكن صادرات النفط الروسية، من حيث الحجم، انتعشت إلى المستويات التي شهدتها قبل غزو أوكرانيا.

قال سونينفيلد إن «خطر انتشار الاضطرابات الروسية لإضعاف الاقتصاد العالمي قد انخفض خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، كما أدت حرب أوكرانيا إلى نتائج عكسية بإجبار أوروبا على التحول إلى مصادر بديلة».

من السابق لأوانه البت في أي شيء، قال برونز «لم ينتهِ الأمر بعد، وبالتالي فإنه يثير أسئلة جديدة حول المستقبل».

(مارك تومبستون – CNN)