لجأت البنوك المركزية في الدول العربية إلى رفع أسعار الفائدة لمستويات تاريخية، في محاولة منها لمكافحة ارتفاع معدل التضخم الذي واصل ارتفاعه منذ جائحة كورونا في 2020، واستمر مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن سعر الفائدة في المنطقة العربية وصل لمستويات مرتفعة لم تعهدها بعض الدول العربية من قبل، فإن المؤشرات تظهر أن التضخم لا يزال عصيّاً رغم الرفع المستمر للفائدة لأسباب مختلفة تتعلق بنوع التضخم في الدول العربية.
وتلجأ البنوك المركزية عادة إلى رفع الفائدة في سبيل خفض التضخم المرتفع، إذ تهدف إلى جمع السيولة، ومن ثَمَّ خفض الطلب على السلع والخدمات؛ وهو ما قد يخفض التضخم.
التضخم في دول الخليج
وتنقسم الدول العربية إلى نصفين؛ النصف الأول دول الخليج العربي التي تكافح التضخم المرتفع على طريقة الفيدرالي الأميركي الذي بدأ في رفع الفائدة منذ مارس آذار 2022.
وتلجأ دول الخليج العربي، ذات الاحتياطات النقدية الكبيرة، إلى رفع سعر الفائدة مباشرة في أعقاب صدور أي قرار بالرفع من الفيدرالي الأميركي، إذ ترتبط عملات دول الخليج بالدولار الأميركي، وهو ما يجعلها تحذو حذو الفيدرالي بالنسبة لأسعار الفائدة.
ورغم أن الدول الخليجية استمرت في رفع الفائدة حتى مايو أيار الماضي، مثلما يفعل الفيدرالي الأميركي، فإن البيانات تظهر أن معدلات التضخم في معظم دول الخليج العربي لا تزال أعلى من معدلات ما قبل جائحة كورونا.
ويتوقع تقرير حديث لصندوق النقد أن يتراجع معدل التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الجاري إلى 2.9 في المئة مقابل 3.3 في المئة العام الماضي، وأن يواصل التراجع ليسجل 2.3 في المئة في العام المقبل.
لكن هذه المستويات تظل أقل مما حققته دول الخليج في 2020 عندما بلغ 1.9 في المئة.
ويُعزَى استمرار ارتفاع التضخم عن مستويات ما قبل كورونا إلى البيئة المحيطة بالمنطقة العربية؛ إذ يقول صندوق النقد إن ارتفاع التضخم في المنطقة خلال العام الجاري يعكس استمرار التداعيات الاقتصادية من جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا.
تضخم مفرط في لبنان والسودان
تظهر البيانات أن بعض الدول العربية عانت تضخماً مفرطاً قد لا يُجدي معه رفع الفائدة من الأساس مثل السودان ولبنان؛ بسبب أزمات اقتصادية متلاحقة وتدنٍّ شديد في سعر العملة المحلية.
ومنذ 2020 يسجل لبنان تضخماً مفرطاً على وقع أزمة اقتصادية حادة عصفت بسعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
ويوصي صندوق النقد الدولي بتشديد السياسة النقدية في لبنان وخفض معدلات التضخم المرتفعة، مشيراً إلى أن توحيد أسعار الصرف الرسمية سيساعد في تنظيم السياسة النقدية بدرجة أكبر، والحد من الضغوط على احتياطيات المصرف المركزي، وزيادة إيرادات المالية العامة.
التضخم في مصر وتونس
أمَّا في بلدان عربية مثل مصر وتونس، فلا يزال التضخم مرتفعاً، رغم أنهما يقدمان على الرفع المستمر للفائدة منذ العام الماضي، والسبب يعود إلى طبيعة التضخم نفسه الذي لا يجدي معه رفع الفائدة.
وسجَّل معدل التضخم السنوي للمدن في مصر مستوى تاريخياً خلال الشهر الماضي، لم تشهده مصر من قبل عندما بلغ 36.8 في المئة، رغم أن البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة في مارس آذار الماضي نقطتين مئويتين، لتضاف إلى ثماني نقاط مئوية رفعها على مدار عام 2022، في مسعى لاحتواء التضخم.
ويأتي تسجيل مصر مستويات تاريخية من التضخم بسبب تهاوي سعر الجنيه مقابل الدولار، واستمرار ارتفاع أسعار السلع؛ نظراً لاعتماد مصر على الاستيراد من الخارج.
وفي تونس استمر التضخم في الارتفاع؛ إذ يقبع قرب أعلى مستوى له على الإطلاق الذي سجله في فبراير نيسان الماضي عند 10.4 في المئة، وذلك رغم رفع سعر الفائدة في تونس أكثر من مرة لمكافحة التضخم متأثراً بأزمة اقتصادية حادة تعانيها تونس بسبب انخفاض سعر العملة واعتمادها على الاستيراد من الخارج، بجانب قلة الموارد الدولارية.
ورغم محاولات مصر وتونس مكافحة التضخم برفع الفائدة، فإن صندوق النقد الدولي وصف محاولات البلدين في تقرير حديث له بأنها «سياسة نقدية فضفاضة».
وأضاف أن استمرار ارتفاع التضخم يعكس في جانب منه تأثير انخفاض سعر الصرف واستمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخدمات.