في عام 1936، أضرب نحو 50 عاملاً في مصانع شركة « جنرال موتورز» عن العمل، إذ أوقفوا تشغيل آلاتهم وأعلنوا التوقف التام عن العمل، دون أن يدركوا حينها أن هذه الخطوة ستسهم في تشكيل مستقبل العمال في أميركا.
في ذلك العام سعى العمال، وهم أعضاء في اتحاد عمال السيارات الذي تأسس قبل عام واحد فقط من هذا الإضراب، إلى تحسين ظروف العمل القاسية في «جنرال موتورز»، أكبر شركة تصنيع في العالم، مطالبين الشركة بالاعتراف بالاتحاد كممثل رسمي عن العمال في المفاوضات.
استمر إضراب اتحاد عمال السيارات في مصانع «جنرال موتورز» لمدة 44 يوماً، ليصبح أحد أهم الإضرابات العمالية في القرن العشرين ونقطة تحول حاسمة في العلاقة بين الشركات والعمال في أميركا، إذ شكَّل إنجازاً تاريخياً للنقابات، وأدى لموجة واسعة لتنظيم ظروف العمل في جميع أنحاء البلاد.
والآن وبعد 87 عاماً، تواجه أكبر ثلاث شركات في ديترويت؛ «جنرال موتورز»، و« فورد»، و«ستيلانتس» تهديداً بإضراب عمالها، في أول إضراب جماعي يستهدف الشركات الثلاث في الوقت ذاته.
ويأتي الإضراب في لحظة حرجة لكل من الحركة العمالية التي تسعى لاستعادة تأثيرها وصناعة السيارات التي تمر بمرحلة انتقالية مع بزوغ فجر عصر السيارات الكهربائية.
كيف بدأ اتحاد عمال السيارات؟
تمثلت أسباب الاحتجاج الأساسية للعمال في الثلاثينيات في السرعة الشديدة التي كانت تُفرض عليهم أثناء العمل في خطوط التجميع، والسلطة التعسفية التي دفعت رئيس عمال «جنرال موتورز» إلى توظيفهم وطردهم في أي وقت شاء، والأجور المتدنية التي لا تكاد تكفي لمطالب المعيشة.
على الجانب الآخر، كانت «جنرال موتورز» تحاول إفساد محاولات العمال لتشكيل نقابة من خلال حملات التجسس وطرد المنظمين، في الوقت الذي كانت تنتشر فيه الإضرابات في أوروبا، ما ألهم العمال الأميركيين لتشكيل «اتحاد عمال السيارات».
وفي السابق، كانت الاعتصامات تُنفذ خارج المصانع، ما يتيح للشرطة مهاجمة العمال عند الإضراب، لتبدأ الشركة بتوظيف عمال جدد بدلاً من العمال المعتصمين في الخارج.
لكن الأمر اختلف كثيراً في عام 1936، إذ قرر العمال الإضراب داخل المصنع عن طريق إيقاف الآلات والمكوث دون عمل، ولم تجرؤ الشركة على طلب تدخل الشرطة خوفاً من تلف الآلات باهظة الثمن، وبذلك، استطاع العمال تنفيذ أول إضراب ناجح لهم.
وفي 11 يناير كانون الثاني من عام 1937، أي بعد أسبوعين من الإضراب، اشتبك عمال المصنع مع رجال الأمن في «جنرال موتورز»، ما أدى لإصابة العشرات ودفع حاكم ميشيغان حينذاك، فرانك مورفي، إلى استدعاء الحرس الوطني، وأمر الجانبين بالتفاوض.
وبعد أربعة وأربعين يوماً، توصل الجانبان إلى تسوية مرضية للعمال، إذ وافقت «جنرال موتورز» على الاعتراف باتحاد عمال السيارات كممثل رسمي عن عمال النقابة في المفاوضات، ليحقق الاتحاد بذلك انتصاراً فاصلاً.
وارتفع عدد أعضاء الاتحاد من 88 ألفاً في فبراير شباط 1973 إلى 400 ألف عامل بنهاية أكتوبر تشرين الأول من العام ذاته، ثم قفز إلى 649 ألف عضو بحلول عام 1941، بحسب بيانات شركة «غرين هاوس».
كما أدى إضراب عام 1936 إلى تشجيع العمال في القطاعات الصناعية الأخرى على تشكيل نقابات ودعم موجة من الإضرابات.
التاريخ يُعيد نفسه
يسعى الاتحاد الحالي لعمال السيارات، بقيادة الرئيس فاين، إلى استعادة زخم إضراب الثلاثينيات ضد «جنرال موتورز»، الذي أتي بثماره حينها.
وفي بيان نقلته شبكة «CNN»، قال الاتحاد إن الإضراب المرتقب يُعد استكمالاً للحركة التي أدت لتأسيس الاتحاد في الثلاثينيات، لافتاً إلى الظلم الذي يشعر به العمال في وقت تشهد فيه صناعة السيارات تغيرات سريعة، بينما يتخلف العمال عن الركب.
ويرى المحللون -ومن بينهم جوزيف مكارتن، مؤرخ سوق العمل بجامعة جورج تاون- أن المفاوضات الحالية بين اتحاد عمال السيارات والشركات الثلاث الكبرى في ديترويت سيكون لها تأثير طويل المدى على كل من صناعة السيارات وعمال قطاع التصنيع بشكل عام.
(ناثانيال ميرسون – CNN).