غطت أحداث غزة على كارثة إنسانية أخرى في أفغانستان، التي تعرضت مطلع الأسبوع الماضي لأحد أقوى الزلازل في تاريخها، ما أسفر عن آلاف الضحايا وتدمير مئات المنازل، والمفارقة أن الزلزال ضرب البلاد في اليوم نفسه الذي شنت فيه حركة حماس هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول، لتغطي تطورات الأحداث في غزة على المعاناة الإنسانية في أفغانستان.
في إحدى القرى الصغيرة غرب أفغانستان، يسير زاهر بهدوء عبر قريته التي تحولت الآن إلى أكوام من الأنقاض؛ واقفاً فوق كومة من الرمال ليحدد موقع منزله، أو بالأحرى ما تبقى منه.
قائلاً بصوت مرتعش «كنا نعيش هنا والآن يمكنك أن ترى إلى أي مدى وصلت الأمور».
يكشف زاهر أن الهزة الأرضية العنيفة التي ضربت أفغانستان في 7 أكتوبر تشرين الأول قد حرمته من أكثر من نصف عائلته، واصفاً حال الآلاف ممن تضرروا من الزلزال المميت.
أحد الزلازل الأكثر دموية في أفغانستان
لقد مر أكثر من أسبوع منذ أن تعرضت أفغانستان لزلزال قوي بلغت قوته 6.3 درجة، ما أدى إلى تدمير مقاطعة هيرات الغربية ومدينة هيرات، ثالث أكبر ولاية في البلاد.
ويُعد الزلزال الأخير أحد أكثر الزلازل دموية التي تضرب أفغانستان منذ سنوات؛ واستمرت الهزات الارتدادية المنتظمة خلال الأسبوع الماضي، ما جدد مخاوف الناجين من احتمال انهيار منازلهم التي لحقت بها أضرار بالفعل في أي لحظة.
وفي صباح يوم الأحد، ضرب زلزال قوي آخر، بقوة 6.3 ريختر، شمال غرب هيرات.
ومع معاناة المنطقة بالفعل من النشاط الزلزالي الأخير، حذرت مجموعات الإغاثة العالمية وفرق الإنقاذ من أن البلاد، التي تعاني بالفعل من الانهيار الاقتصادي وويلات الحروب، تواجه الآن أزمة إنسانية متصاعدة، إذ دُمرت قرية بأكملها مثل قرية (زاهر) وتحولت إلى حطام.
ورغم ذلك لا يوجد تمويل كافٍ للمساعدة بالإضافة إلى قليل من الوعي العالمي.
وقال مولوي مطيول من جمعية الهلال الأحمر الأفغاني «كان الوضع في أفغانستان سيئاً للغاية بالفعل؛ لم يكد السكان يشعرون بالتحسن حتى ضربتنا سلسلة أخرى من الزلازل القوية، وذلك في أقل من أسبوع؛ علاوة على ذلك، الشتاء على الأبواب وهناك حاجة ملحة للمأوى والغذاء والرعاية الصحية».
مصرع 2000 شخص
ويقدر مسؤولو حكومة طالبان أن أكثر من ألفي شخص في جميع أنحاء مقاطعة هيرات لقوا مصرعهم، يمثل النساء والأطفال أكثر من 90 في المئة منهم، وفقاً لوكالات الأمم المتحدة ومسؤولين مطلعين على الحدث.
وعزت المؤسسة الخيرية الأميركية (تو يانج تو ويد) التي تكافح الزواج المبكر للفتيات سبب ارتفاع الضحايا من النساء إلى سياسة طالبان المتشددة التي تجبر النساء والفتيات على البقاء في المنزل، وتحرمهن من حقوقهن الأساسية، وتمنعهن من التعليم والعمل والمشاركة بدور إيجابي في المجتمع.
وأشارت المؤسسة إلى أن النساء جُردن من حقوقهن بشكل منهجي على مدى العامين الماضيين، لذلك بدلاً من أن يكن في المدارس والعمل يوم السبت، كن في المنزل، محاصرات ومسجونات.
وقالت العضو المؤسس، ستيفاني سينكلير لشبكة «CNN»، «إنها دولة تضع نصف السكان تحت الإقامة الجبرية».
وقالت وكالات الإغاثة الدولية إن جهودها تعرقلت بسبب القيود التي تفرضها طالبان وحذرت من التحديات الخطيرة التي تواجهها والتي تحد من قدرتها على الاستجابة لنداءات الطوارئ، كما سلطت الفرق الميدانية الضوء على الصعوبات التي تواجهها للوصول إلى الناجين المحاصرين في القرى النائية.
قال زاهر «نحن عاجزون.. نازحون ومشردون؛ لم أتلقَّ أي مساعدة حتى الآن باستثناء زجاجة ماء؛ كيف يمكننا البقاء على قيد الحياة ونحن نجلس وننام على هذه الحجارة والأرض الصلبة؟!».
«نحن بحاجة إلى مساعدة الحكومة والمجتمع الدولي، هذه هي رسالتنا الوحيدة، كما ترون، لم يبقَ لنا شيء».
ويقول المسؤولون إن الناجين أصيبوا بجروح بالغة وهزات نفسية، ويعاني الكثيرون من صدمة خطيرة.
مأساة إنسانية بكل المقاييس
فاطمة هي إحدى الناجيات التي أُنقذت من تحت الأنقاض في منطقة زينده جان في مقاطعة هيرات، وهي امرأة تبلغ من العمر 35 عاماً، وتخضع للعلاج حالياً في المستشفى.
قُتل أطفالها السبعة في الزلزال.
وكانت فاطمة تعاني من صدمة شديدة لدرجة أنها لم تستطع التحدث عن أطفالها دون أن تصاب بنوبة هلع، بحسب الأطباء.
«لقد حوصرت تحت الأنقاض مرتين، المرة الأولى أنقذني فيها أفراد الأسرة».
وقالت «المرة الثانية كانت عندما عدت إلى المنزل لإنقاذ أطفالي وانهار المنزل عليّ مرة أخرى».
«فقدت الوعي، ولا أتذكر شيئاً بعد ذلك، لقد شعرت بقدر كبير من الألم والحزن؛ لقد فقدنا كل شيء في حياتنا، ولم يبقَ شيء».
من المنطقة نفسها جاءت رنا -32 عاماً- وهي أم لثلاث بنات لقيت ابنتها البالغة من العمر ست سنوات مصرعها في الزلزال، وأصيبت ابنتاها الناجيتان، اللتان تبلغان من العمر ثماني وعشر سنوات، بإصابات خطيرة في الرأس بعد انهيار سقف عليهما.
«الأسرة الآن في حاجة ماسة إلى مأوى وليس لديها مكان تذهب إليه».
قالت رنا «كنت جالسة في المنزل عندما وقع الزلزال، إحدى أطفالي فقدت بصرها، وأصيبت أخرى في ساقها».
وأضافت «من فضلكم فليساعدنا أحد بقطعة أرض أو مكان لنقيم فيه».
تكرر الأمم المتحدة ووكالات المعونة الدولية دعوتها للدول إلى عدم نسيان الوضع في أفغانستان في ظل الانشغال بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وقال صديق إبراهيم، رئيس المكتب الميداني لليونيسف في أفغانستان، لشبكة «CNN» في مقابلة يوم الجمعة «هذا هو أسوأ زلزال تعرضت له البلاد منذ سنوات عديدة».
أطفال تحت الأنقاض
وبينما كانت المروحيات تحلق في السماء متجهة إلى قرى أخرى، بقي أطفال شاه بيبي مدفونين تحت الأنقاض؛ تتذكر الأم البالغة من العمر 32 عاماً «كنت أخيط في المنزل وكان أطفالي نائمين».
«بدأت الأرض تهتز وسقطت».
«قبل أن أفقد الوعي، صرخت لكي يتمكن أحد من العثور على أطفالي وإخراجهم».
قُتلت اثنتان من بنات شاه بيبي مع اثنين من أبناء أخيها في 7 أكتوبر تشرين الأول.
«ليس لدينا مكان نذهب إليه»، وقالت ودموعها تنساب «كان مكان معيشتنا هناك»، «لا أعرف كيف سيكون مستقبلنا لكننا فقدنا كل شيء في حياتنا».