يعمل محمد سائقاً في القاهرة عبر إحدى منصات النقل التشاركي المحلية، يكلفه الوقود نحو 25 في المئة من إيراداته اليومية إذ يلزمه 461 جنيهاً لتعبة خزان الوقود بالكامل بنزين 92 أي ما يقارب 15 دولاراً، وهو مبلغ كبير مقارنة بالحد الأدنى للأجور في مصر البالغ ثلاثة آلاف جنيه، أو ما يعادل نحو 97 دولاراً.

في عام 2017 اعتاد محمد شراء الكمية نفسها مقابل 135 جنيهاً، أي سبعة دولارات ونصف حسب سعر صرف الدولار عام 2016.

تقدم العمر بسيارة محمد الأوروبية الصغيرة التي تعود إلى عام 2011، وتقفز أرقام عداد مركبته بنحو 200 كيلومتر يومياً، ويوجد في مصر ثلاثة أنواع من البنزين حسب الرقم الأوكتانى أقلها سعراً بنزين 80.

كان محمد يعمل بائعاً في إحدى الشركات عام 2016 قبل أن يفقد وظيفته عشية التعويم الكبير في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني من العام نفسه.

لا يتحصل محمد على أي من عناصر الدعم الحكومي سوى دعم البنزين، فهو لم يحرص عند تكوين أسرته الصغيرة قبل نحو عشرين عاماً على الانضمام إلى منظومة بطاقات التموين التي يستفيد منها نحو 23 مليون أسرة في مصر بحسب بيانات وزارة التموين العام الماضي.

تضاعف سعر لتر البنزين منذ عام 2017 حتى الآن، مرتفعاً من خمسة جنيهات إلى عشرة جنيهات وربع، وتدعم الحكومة المصرية المواد البترولية بنحو 116 مليار جنيه بموجب الحساب الختامي لموازنة العام المالي 2022-2023، أي نحو 3.74 مليار دولار.

يوصي صندوق النقد الدولي، الذي أصبحت مصر من أهم زبائنه خلال السنوات القليلة الماضية، باستمرار تطبيق قرارات لجنة التسعير التلقائي الخاصة بالمحروقات في مصر التي تشكلت في ديسمبر كانون الأول عام 2018، وهو ما يعني خفض فاتورة دعم الطاقة في مصر.

تجتمع لجنة التسعير التلقائي مرة كل ثلاثة أشهر للنظر في سعر المحروقات وعلى رأسها البنزين و السولار، ولكنها لم تجتمع في يوليو تموز الماضي، وقد يتم تأجيل اجتماع أكتوبر تشرين الأول الجاري إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، التي من المنتظر انعقاد أولى جولاتها بين 10 و12 ديسمبر كانون الأول من هذا العام، إذ إن احتمالية رفع أسعار الوقود قبيل الانتخابات الرئاسية لن تلقى ترحيباً في المرحلة الحالية.

كريم وهدان أحد وكلاء السيارات في مصر قال في لقاء مع «CNN الاقتصادية»، إنه من أنصار رفع الدعم عن البنزين معللاً ذلك بقوله «أنا لا أستهين بمعاناة الناس، ولكن الحقيقة أن من يمتلكون سيارات تعمل بالبنزين في مصر هم من الطبقات الميسورة من الشعب وهم يحصلون على شريحة كبيرة من هذا الدعم».

وهدان يبني وجهة نظره على أن «السولار هو الوقود الذي يُستخدم في الماكينات ووسائل النقل الجماعي ووسائل نقل البضائع بينما البنزين للمركبات الخاصة أي للملاكي فقط».

يرى وهدان أن تحرير سعر البنزين سيدفع الناس لاستخدام المواصلات العامة وتقليص استخدام السيارات الخاصة.

ولا يخفي وهدان رغبته أن يُباع البنزين بالسعر العالمي على أن يوجَّه الفارق للطبقات الأكثر احتياجاً سواء في قطاع النقل أو قطاعات أخرى.

بين متطلبات صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن الوقود وضخ الدولة ما يناهز أربعة مليارات دولار، يبقى الحفاظ على السلام الاجتماعي المعضلة الكبرى في المعادلة التي يشكّل فيها الفقر رقماً يصعب على الدولة غض الطرف عنه.