أدت أزمة التضخم التي تشهدها الولايات المتحدة منذ عقود، جنباً إلى جنب مع الزيادات القوية في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لمكافحتها، إلى حالة من الاضطراب في العامين الماضيين في (مين ستريت) و(وول ستريت) على حد سواء؛ لقد أثر ذلك على المستهلكين والمستثمرين.

لكن بعض المحللين يقولون إن تأثير الاحتياطي الفيدرالي على الاقتصاد ليس عميقاً كما كان من قبل.

ويقولون إن الأسواق ستظل تتفاعل بشكل حاد عندما يعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي عن قراراته السياسية الجديدة، لكن التأثيرات الدائمة على أسعار الأسهم والتضخم أصبحت خانقة على نحو متزايد.

ما الذي يحدث؟

قال جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في (آر إس إم) أميركا، إن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ألمح إلى أن البنك المركزي لم يعد يسيطر على قصة التضخم خلال خطابه في النادي الاقتصادي في نيويورك الأسبوع الماضي.

يعد هذا تغييراً ملحوظاً في اللهجة منذ مارس آذار 2022 عندما أنهى بنك الاحتياطي الفيدرالي اتجاهه الذي دام 15 عاماً تقريباً للحفاظ على أسعار الفائدة المنخفضة وقدَّم سلسلة من زيادات أسعار الفائدة القوية بهدف الحد من التضخم المرتفع تاريخياً.

بالنسبة للمستثمرين الذين اعتادوا أسعار الفائدة القريبة من الصفر، كان هذا تحولاً كبيراً، وأدى ذلك إلى ردود فعل واضحة في سوق الأوراق المالية والاقتصاد الأوسع.

لكن التضخم انخفض منذ ذلك الحين بشكل كبير، ولم تعد هناك حاجة لمثل هذه التدابير الجذرية.

قال باول الأسبوع الماضي إن بنك الاحتياطي الفيدرالي غير مستعد للقيام بتحركات كبيرة والمخاطرة بإلحاق «ضرر غير ضروري بالاقتصاد».

وقال بروسويلاس إن السوق استبعدت بالفعل اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي القادم، الذي يبدأ في عيد الرعب (الهالوين)، باعتباره «تحديثاً لسياسة الوضع الراهن».

بمعنى آخر: لا تتوقع رفع سعر الفائدة هذا الشهر.

وكان الاحتياطي الفيدرالي قد ثبت سعر الفائدة في اجتماعه الأخير في سبتمبر أيلول، عند مستوياته نفسها في يوليو تموز الماضي، ليبقى في نطاق بين 5.25 و5.5 في المئة.

ومن المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي مرتين إضافيتين هذا العام في نوفمبر تشرين الثاني، وديسمبر كانون الأول.

وترى الأسواق المالية حالياً بنسبة 99 في المئة تقريباً أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في إيقاف زيادات أسعار الفائدة مؤقتاً في نوفمبر تشرين الثاني، وفقاً لأداة (سي إم إي فيدووتش).

أسعار الفائدة

ظل عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات يحوم حول 5 في المئة في الأيام الأخيرة، وهو أعلى مستوى له منذ عام 2007.

ويؤثر هذا المعدل على القروض الاستهلاكية، بما في ذلك الرهن العقاري وبطاقات الائتمان، ويساعد في الضغط على الإنفاق الاستهلاكي.

وهذا يعني أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد لا يحتاج إلى مواصلة رفع أسعار الفائدة بقوة لخفض الإنفاق والتضخم.

ورفعت لجنة السوق المفتوحة في البنك الاحتياطي الفيدرالي توقعات أسعار الفائدة لعام 2024 إلى 5.1 في المئة، مقابل 4.6 في المئة سابقاً، بينما أبقت على توقعات عام 2023 عند 5.6 في المئة دون تغيير، في إشارة إلى زيادة واحدة إضافية هذا العام.

التضخم الأميركي

تباطأ مؤشر أسعار المستهلك الأميركي، وهو مقياس يستخدم على نطاق واسع للتضخم، بشكل ملحوظ منذ أن ارتفع فوق 9 في المئة في يونيو حزيران 2022، على الرغم من ارتفاع التضخم مرة أخرى مؤخراً مع ارتفاع أسعار الغاز والمواد الغذائية المتقلبة.

ولكن باستثناء الغذاء والطاقة، فإن ما يُسمى بمؤشر أسعار المستهلك الأساسي يبلغ 4.1 في المئة، وهو أدنى معدل نمو سنوي لهذا المقياس في عامين، وإن كان لا يزال أعلى من المعدل النهائي الذي يستهدفه بنك الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 2 في المئة.

ويقول بعض الاقتصاديين إن التضخم لم يعد قضية طارئة، وهذا يعني أن الاحتياطي الفيدرالي يشعر بضغط أقل لتحقيق استقرار الأسعار بسرعة من خلال رفع أسعار الفائدة المؤلم اقتصادياً.

وقال الخبير الاقتصادي في جامعة (جونز هوبكنز) لورانس بول لبرنامج قبل الجرس على شبكة «CNN»، «بمجرد أن ينخفض التضخم إلى أقل من 5 في المئة يعود الناس إلى القلق بشأن عجز الميزانية أو تغير المناخ أو غيرها من القضايا العامة».