رحل الشيخ نوَّاف الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، عن عمر يناهز 86 عاماً، لينهي فترة حكم قصيرة استمرت ثلاث سنوات فقط، بدأت بالعديد من التحديات العالمية التي تمكن اقتصاد الكويت من التغلب عليها عن طريق انتهاج مسار مختلف انعكس على معدلات النمو.
ومن غير المتوقع أن يبتعد الاقتصاد الكويتي عن هذا النهج من قبل الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الجديد، الذي تولى ولاية العهد في 8 أكتوبر تشرين الأول 2020، بتزكية من الأمير الراحل، وفقاً لقانون توارث الإمارة ونصوص الدستور الكويتي.
كان الشيخ نوّاف سُمِّي ولياً للعهد في 7 فبراير شباط 2006، وتولى مقاليد الحكم في 29 سبتمبر أيلول 2020، في وقت كان العالم يعاني فيه من تداعيات جائحة كوفيد-19، التي أضرت الاقتصاد في كل بقاع الأرض، فضلاً عن الاعتماد بشكل شبه مطلق على استخراج النفط وتصديره.
على الرغم من ذلك، نجح اقتصاد الكويت في تحقيق نمو في القطاع غير النفطي، واحتواء معدلات التضخم، وزيادة الرصيد المالي والاستثماري، مع التعافي بوتيرة سريعة عقب الجائحة.
تحديات اقتصادية
منذ القدم، شكل البحر والصحراء عنصرين مهمين لاقتصاد الكويت، ومن ثم، جاءت الثورة النفطية لتعبر بالبلاد إلى بر الأمان الاقتصادي، إذ أسهمت في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي للفرد، ما جعلها قوة اقتصادية كبرى، إضافة إلى قوة عملتها المحلية.
هذه الثروة تسببت في الاعتماد المفرط عليها، فعلى سبيل المثال، شكّلت الإيرادات النفطية نحو 90 في المئة من إيرادات الموازنة العامة للدولة في 2016، الأمر الذي جعلها عرضة للتأثر السريع بأي انخفاض في أسعار النفط.
قبل تولي الأمير الراحل مقاليد الحكم، كان اقتصاد الكويت يعاني تباطؤاً إثر الانهيار الحاد في أسعار النفط، وبطء النمو العالمي بسبب الجائحة، إذ تراجع الناتج المحلي الإجمالي للكويت إلى نحو 0.7 في المئة في 2019، من 1.2 في المئة في 2018.
وازدادت المخاوف من استمرار انخفاض النمو الاقتصادي للقطاع غير النفطي في الكويت؛ جراء تعطل التجارة العالمية بسبب الجائحة، كما بلغ عجز الموازنة المعلن 9.2 مليار دينار (29.8 مليار دولار) للسنة المالية 2020/2021، وفقاً لتقرير البنك الدولي حول الآفاق الاقتصادية في الكويت.
كما توقع التقرير تفاقم عجز الموازنة، ليصل إلى 13.6 في المئة في السنة المالية 2019 / 2020 مقارنة بنحو 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية التي سبقتها.
كيف انتعش اقتصاد الكويت؟
اكتسب اقتصاد الكويت زخماً في 2021، ليبدأ مسيرة التعافي السريعة نحو النمو الاقتصادي، وبلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 1.3 في المئة، ليتغلب على الانكماش الذي حققه في 2020، بنسبة وصلت إلى 8.9 في المئة.
جاء هذا النمو في 2021، مدفوعاً بتنويع روافد الاقتصاد، إذ ارتفعت نسبة نمو الإيرادات غير النفطية إلى نحو 3.4 في المئة، إضافة إلى تأجيل سداد أقساط القروض مع تحمل الدولة كلفتها، وارتفاع نسب الإنفاق الاستهلاكي.
وعلى الرغم من ارتفاع نسب الإنفاق الاستهلاكي في أعقاب الجائحة، فإن الكويت تعاني من نسب تضخم تزيد على 3 في المئة وتصل إلى ما يفوق 4 في المئة.
بدورها، أسهمت عودة التجارة الخارجية إلى طبيعتها بشكل تدريجي، مع ارتفاع الصادرات النفطية، وزيادة أسعار النفط حينذاك في تعزيز النمو الاقتصادي، إذ بلغ متوسط سعر البرميل من خام النفط الكويتي للتصدير نحو 70.5 دولار مقارنة بنحو 41.5 دولار للبرميل في 2020، وذلك وفقاً للتقرير الاقتصادي الصادر من البنك المركزي الكويتي.
كانت نسبة النمو هذه مجرد البداية لتعافي اقتصاد الكويت، الذي حقق نمواً بنسبة 8.2 في المئة في 2022، مدفوعاً بزيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعاره، فضلاً عن مساهمة القطاع غير النفطي في ذلك النمو، مرتفعاً بنسبة 4 في المئة خلال العام ذاته، وفقاً لما أورده صندوق النقد الدولي.
وتوقع الصندوق استمرار النمو للقطاعات غير النفطية في 2023، بنسبة 3.8 في المئة، مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 0.1 في المئة؛ بسبب التخفيضات الطوعية لإنتاج النفط.
تعتبر الميزانيات العمومية المالية والخارجية لدولة الكويت، ضمن أقوى الميزانيات السيادية المصنفة من قبل وكالة فيتش الائتمانية، التي رجحت بلوغ متوسط صافي الأصول الأجنبية السيادية للكويت لنحو 505 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة 2023/2024، وهي واحدة من أعلى المعدلات بين جميع الصناديق السيادية الحاصلة على تصنيف فيتش.
الدينار الكويتي
فور رحيل الشيخ نواف، تراجعت قيمة الدينار الكويتي بنسبة 0.31 في المئة وفقاً لأحدث بيانات ريفينيتيف، لكنها تظل نسبة لا تحرك ساكناً بالنسبة لأقوى عملة في العالم.
ووفقاً للبنك المركزي الكويتي، فقد كان سعر صرف الدينار الكويتي ارتبط بمجموعة غير مفصح عنها من العملات العالمية لأهم الشركاء التجاريين والماليين للكويت، بداية من 20 مايو أيار 2007، وذلك بهدف المحافظة على القوة الشرائية للعملة الوطنية واحتواء الضغوط التضخمية على اقتصاد الكويت.
قبل ذلك، رُبط الدينار الكويتي في ستينيات القرن الماضي بالجنيه الإسترليني، قبل ربطه بالدولار الأميركي في الفترة من 5 يناير كانون الثاني 2003 حتى 19 مايو أيار 2007.
من جهتها، تتمتع البنوك الكويتية بمستويات جيدة من رأس المال والسيولة، إذ تتجاوز الشروط التنظيمية الاحترازية بشكل مُطَمئِن، وفقاً لما أورده صندوق النقد الدولي.