خشي الكثيرون أن يكون عام 2023 عام الركود، ثم تبين أنه العام الذي أثبت فيه الاقتصاد العالمي مرونة رائعة بقيادة الاقتصاد الأميركي، الذي استطاع تحدي المخاوف الاقتصادية ومعدل التضخم المتسارع.

وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، تباطأ معدل التضخم بشكلٍ كبير، ولا تزال البطالة منخفضة، وسط توقعات بإمكانية اتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيض أسعار الفائدة في شهر مارس آذار المقبل.

ومع بداية عام 2024، هناك خمسة أسباب ملموسة للتفاؤل مستقبلاً، لكن لا يزال الاقتصاد الأميركي يواجه مخاطر وتحديات حقيقية، بدءاً من الحرب بين إسرائيل وغزة، وحتى الانتخابات الرئاسية المنتظرة.

1- تباطؤ التضخم الملحوظ

توقع كثيرون في وول ستريت وواشنطن أن يهدأ التضخم بعد أن وصل إلى أعلى مستوياته في أربعة عقود في يونيو حزيران 2022، لكن قليلين توقعوا مدى سرعة حدوث ذلك.

تباطأت أسعار المستهلكين إلى 3.1 في المئة على أساس سنوي في نوفمبر تشرين الثاني 2023، بانخفاض حاد عن المعدل البالغ 9.1 في المئة في يونيو حزيران 2022.

يأتي ذلك بدعم من تراجع أسعار البنزين بشكل ملحوظ عام 2023، وتتوقع شركة (GasBuddy) أن ينخفض ​​متوسط أسعار البنزين السنوية في الولايات المتحدة مرة أخرى عام 2024، ما يسمح للمستهلكين بإنفاق 32 مليار دولار أقل على الوقود، مما فعلوه عام 2023.

2- الابتعاد عن السياسة التشديدية

تباطأ معدل التضخم كثيراً لدرجة أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أوقف الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة التي هددت بإخراج الاقتصاد عن مساره وأخافت المستثمرين، بل إن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي يخططون الآن لخفض أسعار الفائدة عام 2024، وهي النتيجة التي ستمثّل إعلان النصر في الحرب على التضخم.

وقال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز أناليتكس، لشبكة “سي إن إن” إنه يشتبه في أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفّض أسعار الفائدة أربع مرات عام 2024، ومن المرجح أن يبدأ في مايو أيار، بينما يتوقع بنك غولدمان ساكس أن يبدأ الفيدرالي الأميركي تخفيض أسعار الفائدة في مارس آذار.

ومن شأن تخفيضات أسعار الفائدة أن تجلب الراحة إلى الأسواق، ما يخفّض تكلفة الحصول على رهن عقاري، والحصول على قرض سيارة، وفضلاً عن تكلفة الاقتراض بواسطة بطاقات الائتمان.

3- أسواق الأسهم في انتظار دفعة صعود

أدّى تباطؤ التضخم وتلاشي مخاوف الركود وتخفيضات أسعار الفائدة التي تلوح في الأفق إلى تحفيز أسهم وول ستريت، دافعة إياها إلى الصعود نحو مستويات قياسية.

وأنهت الأسهم الأميركية هذا العام بقوة مع ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 لمدة تسعة أسابيع متتالية في نهاية العام، وهي أطول سلسلة مكاسب منذ عام 2004، كما ارتفع مؤشر ناسداك بنسبة 43 في المئة، مبتعداً بفارق ضئيل عن أفضل عام له منذ عقدين من الزمن.

ويعكس ارتفاع سوق الأسهم إلى حد كبير التفاؤل بشأن الاقتصاد والتضخم والثقة بالهبوط الناعم، وهو خبر جيد لمستثمري وول ستريت.

4- انخفاض عمليات تسريح العمالة

على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية عالمياً، فإن معدل البطالة لم يتسارع بشكلٍ كبير، وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال لا تزال البطالة عند مستوى 3.7 في المئة فقط، أي بالقرب من أدنى مستوياتها منذ نصف قرن.

كما لا تزال مطالبات البطالة الأولية الأميركية، وهي مؤشر على تسريح العمال، منخفضة تاريخياً عند 218 ألفاً فقط، وهي إشارة إلى أن العديد من أصحاب العمل يترددون في التخلي عن العمال لديهم.

وقال زاندي، «إن المطالبات منخفضة للغاية لكي تدق أجراس الإنذار، يجب أن تكون المطالبات أقرب إلى 300 ألف، نحن بعيدون جداً عن ذلك».

وأضاف، «طالما ظلت عمليات تسريح العمال منخفضة نسبياً، فمن المفترض أن يكون الاقتصاد على ما يرام.. نحن في هذا النوع من الدورة الاقتصادية المرنة».

5- تسارع الأجور مقارنة بأسعار المستهلكين

أعرب الخبراء عن تفاؤلهم بأن نمو الأجور الحقيقية سيكتسب زخماً عام 2024، وقال زاندي، «مع مرور الوقت وفي ظل بقاء التضخم منخفضاً، سوف تلحق معدلات الأجور بالتضخم وتتجاوزه، ومن ثم سيبدأ الناس الشعور بالتحسن تجاه الأشياء».

هناك مخاوف لا تزال تلوح في الأفق

بطبيعة الحال، أظهرت السنوات القليلة الماضية للجميع كيف يمكن للتطورات غير المتوقعة مثل جائحة كورونا، أو الحروب بين الدول أن تدمر التوقعات الأكثر تفاؤلاً.

وقال زاندي لشبكة CNN، إن قائمة مخاوفه يتصدرها خطر حدوث مزيد من الضغط على النظام المالي مثل فشل البنوك الذي حدث في أوائل عام 2023.

كما أن الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، قد تؤثّر في الاقتصاد، وتوقع زاندي منافسة متقاربة للغاية، وحذّر من أن الانتخابات المتنازع عليها قد تُثير حالة من عدم اليقين أو حتى اضطرابات اجتماعية.

(مات إيجان – CNN)