قدَّر عدد من المحللين الاقتصاديين حجم الأموال التي يحتاج إليها القطاع المصرفي لتلبية احتياجات السوق المصرية من العملة الصعبة حال اتخاذ قرار بتحرير سعر الصرف، بما بين 20 و28 مليار دولار.

وقالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا، في تصريحات صحفية على هامش القمة العالمية للحكومات المنعقدة في دبي، إن الصندوق يسعى «لإعطاء جرعة ثقة للاقتصاد المصري من خلال تعزيز حجم برنامج الدعم.. حددنا فجوة التمويل لدى مصر، وسنعلنها بعد إنجاز المفاوضات»، مشيرة إلى أن الحديث مع مصر يتعلق بسعر صرف مرن و«ليس تعويماً».

وتتزايد التوقعات بشأن لجوء الحكومة المصرية لخفض جديد في سعر الجنيه مقابل الدولار الرسمي مع اتساع الفجوة بين السعرين في البنوك والسوق الموازية، والذي اقترب من الضعف.

قرارات تمهد لخفض الجنيه

يقول هشام إبراهيم أستاذ التمويل في جامعة القاهرة إن « رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بنسبة 2 في المئة في اجتماعه الأخير، وإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي عن زيادة الحد الأدنى للمرتبات، إجراءان يوضحان اقتراب تخفيض العملة»، ولكن الأهم هو ضخ نحو 20 مليار دولار في النظام المصرفي لقتل ا لسوق الموازية تزامناً مع التخفيض القادم للجنيه المصري.

يبني إبراهيم نظريته على وجوب تساوي سعر الصرف الرسمي مع السعر الذي تفرضه السوق الموازية للقضاء عليها؛ ما قد يدفع مَن يتحوّطون بالدولار إلى إيداعه في البنوك والتعامل بالسعر الرسمي.

وخلال الأيام الماضية، صعد سعر الدولار في السوق الموازية متخطياً حاجز 70 جنيهاً، قبل أن يعود للتراجع إلى ما بين 55 و62 جنيهاً، مقابل نحو 31 جنيهاً في البنوك الرسمية.

ورجَّح بنك غولدمان ساكس ألا يلجأ البنك المركزي المصري لخفض سعر الجنيه مقابل الدولار في ظل استمرار نقص السيولة الدولارية لديه، وكذلك زيادة الطلب على الدولار من قِبل المستوردين والقطاع الحكومي في مصر.

ويضيف غولدمان ساكس أن الطلب على العملات الأجنبية في البنوك الرسمية لا يزال مرتفعاً في ظل نقص السيولة الدولارية، وهو ما يجعل من الصعب توحيد سعر صرف الدولار دون انخفاض كبير في قيمة الجنيه.

وتعاني مصر تراجعاً في التدفقات الدولارية من الخارج منذ العام الماضي، إذ انخفضت تحويلات المصريين العاملين في الخارج، التي تعد أحد المصادر المهمة للعملة الصعبة في مصر مع اتساع التعاملات في السوق الموازية.

وتشير بيانات البنك المركزي الأخيرة إلى أن تحويلات العاملين المصريين في الخارج انخفضت في الربع الأول من العام المالي الجاري بنسبة 29.9 في المئة، لتصل إلى 4.5 مليار دولار مقابل 6.4 مليار دولار.

بلغت قيمة الدين الخارجي المصري بنهاية الربع الثالث من عام 2023 نحو 164.522 مليار دولار، وذلك وفقاً للبيانات المنشورة على موقع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية استناداً على إحصائيات البنك المركزي المصري.

الدين الخارجي لمصر

7 مليارات دولار شهرياً احتياجات مصر

قال هاني أبو الفتوح، الرئيس التنفيذي لشركة «الراية» للاستشارات المالية، في اتصال مع «CNN الاقتصادية» إن على الدولة توفير نحو 7 مليارات دولار شهرياً في خزائنها لأربعة أشهر متتالية؛ أي نحو 28 مليار دولار كي تتمكن من تنفيذ آمن لخفض قيمة الجنيه.

ويضيف أبو الفتوح، أن «توفير هذا المبلغ في البنوك لأغراض كالاستيراد والسفر والدراسة سيؤدي إلى عدم لجوء الأفراد إلى السوق الموازية لتلبية احتياجاتهم من الدولار الأميركي؛ ما سيقضي على السوق الموازية في مصر».

وتقول منى بدير الخبيرة الاقتصادية، إن المشكلة في مصر تكمن في وجود فجوة بين الاحتياجات التمويلية الكبيرة التي تحتاج إليها الدولة مقارنة بالتدفقات المالية التي تستقبلها، سواء من ناحية بند سداد الديون أو فاتورة الاستيراد، «مدفوعات الدين كبيرة ومؤثرة على الاقتصاد وخفض معدلات الدين من الناتج المحلي الإجمالي ضرورة».

وفي ديسمبر كانون الأول، رفع البنك المركزي المصري تقديراته لقيمة أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال عام 2024 إلى 32.79 مليار دولار، أي ارتفاعاً بنحو 3.56 مليار دولار مقارنة بتقديراته السابقة في سبتمبر أيلول الماضي البالغة 29.229 مليار دولار، وفقاً لتقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك.

أقساط وفوائد الديون الخارجية لمصر

وكان البنك قد رفع تقديراته لقيمة الأقساط والفوائد المستحقة خلال العام الحالي بقيمة 1.18 مليار دولار إلى 29.229 مليار دولار في سبتمبر أيلول الماضي، مقابل تقديرات يونيو حزيران البالغة 28.049 مليار دولار.

وتقول بدير إنه ينبغي التفكير في إعادة هيكلة الديون لأن أزمة شح الدولار التي تترسخ في مصر ناتجة عن أسباب خارجية متعددة منها الحرب في أوكرانيا وخروج الأموال الساخنة وسياسة التشديد النقدي التي يتبناها الفيدرالي الأميركي، فضلاً عن الاضطرابات الأخيرة في مضيق باب المندب التي تؤثر بشكل مباشر على إيرادات قناة السويس.