تتجه الأنظار في المملكة المتحدة هذا الأسبوع إلى ملف التخفيضات الضريبية باعتباره العنوان الرئيسي في موازنة الربيع للعام المالي 2024- 2025، المنتظر إعلانها قبل شهرين فقط من الانتخابات المحلية البريطانية.
ويجد وزير المالية البريطاني، جيريمي هانت، نفسه في موقف صعب، بين ضغوط متزايدة من قِبل أعضاء البرلمان من حزب المحافظين لخفض الضرائب، وتحذيرات من الاقتصاديين بشأن نتائج هذه الخطوة على الاقتصاد البريطاني الذي يعاني بالفعل من وضع حرج.
يأتي ذلك فيما ننتظر الإعلان الرسمي عن الموازنة العامة يوم 6 من مارس آذار الجاري، على أن تنعقد الانتخابات المحلية البريطانية في مايو أيار من عام 2024.
ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة الأبحاث « ريزوليوشن فاونديشن»، سيكون أمام جيريمي هانت، خيارات محدودة على رأسها خفض المعدل الأساسي لضريبة الدخل، أو خفض التأمين الوطني للموظفين مرة أخرى، وكلاهما سيكون له تكاليف غالية.
نظام الضرائب والإعفاءات الضريبية
عادة تتغير الشرائح الضريبية وحد الإعفاء الضريبي كل عام بما يتماشى مع معدل التضخم، ولكن منذ العام المالي 2021-2022، وتحديداً في موازنة مارس آذار 2021، أعلن وزير المالية البريطاني آنذاك، ريشي سوناك (رئيس الوزراء الحالي)، تثبيت حد الإعفاء الضريبي عند 12,570 جنيه إسترليني حتى عام 2026.
ثم مدد جيريمي هانت تثبيت حد الإعفاء الضريبي حتى عام 2028، وهو المبلغ الذي يمكنك كسبه كل عام قبل أن تضطر إلى دفع ضريبة الدخل.
يعني هذا القرار أن الشرائح الضريبية لم تعد تتغير بما يتماشى مع تكلفة المعيشة أو ارتفاع الأجور ومعدل التضخم، وبالتالي سيبدأ المزيد من المواطنين دفع الضرائب والتأمين الوطني مع زيادة أجورهم، ولن يستفيد ذوو الدخل المنخفض من الإعفاءات الضريبية.
وبحسب «ريزوليوشن فاونديشن»، فإن خفض المعدل الأساسي لضريبة الدخل في الموازنة القادمة، مع الحفاظ على تثبيت حد الإعفاء الضريبي في العام المقبل يعني أن أي شخص يكسب أقل من 38,700 جنيه إسترليني (الحد الأدنى للأجور في بريطانيا)، سيشهد ارتفاع فواتير الضرائب الشخصية الخاصة به بدلاً من انخفاضها.
وقال مكتب مسؤولية الموازنة (OBR) -الذي يقيّم الخطط الاقتصادية للحكومة البريطانية بشكلٍ مستقل- إنه بحلول عام 2028، ستخلق هذه السياسة 3.2 مليون دافع ضرائب إضافي، وسيدفع 2.6 مليون شخص معدلات ضريبة أعلى على الدخل.
التخفيضات الضريبية.. تكاليف باهظة
انتشرت تحذيرات عديدة من قِبل الاقتصاديين في الأيام الأخيرة من أن قطاع الخدمات العامة في بريطانيا يمكن أن ينهار تحت وطأة أي تخفيضات أخرى في الإنفاق من أجل تمويل التخفيضات الضريبية.
في غضون ذلك، كشفت دراسة «ريزوليوشن فاونديشن»، أن خفض ضريبة الدخل بمقدار بنس واحد، سيزيد التكاليف بنحو سبعة مليارات جنيه إسترليني، ما قد يعزز الحاجة إلى زيادة الإنفاق لتمويل التخفيضات الضريبة، الأمر الذي سيأتي ضد رغبة جيريمي هانت.
على جانب آخر، سيكون خفض مساهمات التأمين الوطني للموظفين مرة أخرى بمقدار بنس واحد هو الخيار الأرخص، ولكن إذا اختاره هانت سيكلفه هذا خمسة مليارات جنيه إسترليني، بحسب الدراسة.
خفض ضريبي بين زيادتين
تقع التخفيضات الضريبية المنتظر الإعلان عنها بين الزيادات الضريبية التي أُقرت بالفعل قبل ذلك، وتلك المقرر الإعلان عنها بعد الانتخابات لاحقاً هذا العام، وهذا يضع فاعلية التخفيضات الضريبية في مارس الجاري، محل شك.
وعلى مدار العام المالي 2023-2024، أعلنت وزارة المالية البريطانية زيادات ضريبية تبلغ نحو 20 مليار جنيه إسترليني، بما في ذلك تثبيت حد الإعفاء الضريبي وزيادة ضريبة الشركات، على أن تدخل الزيادات الضريبية الأخرى البالغة 17 مليار جنيه إسترليني حيز التنفيذ في البرلمان المقبل، بما يشمل زيادة رسوم الطوابع في ربيع عام 2025 وثلاث سنوات إضافية من تثبيت حد الإعفاء الضريبي.
ولن تكتفي وزارة المالية بذلك بحسب توقعات دراسة «ريزوليوشن فاونديشن»، التي ترجّح المزيد من الزيادات الضريبية بعد الانتخابات، ما يجعل خطوة التخفيضات الضريبية تعتمد على خطط إنفاق غير قابلة للتنفيذ من وجهة نظر المؤسسة البحثية.
خطط الإنفاق والتخفيضات الضريبية
يرى معهد الدراسات المالية البريطاني (آي إف إس)، أن الحجة الاقتصادية لصالح التخفيضات الضريبية قبل اكتمال مراجعة خطط الإنفاق التالية ضعيفة، إذ لا تزال الموارد المالية العامة في وضع سيئ بسبب الديون الحكومية.
وأشار المعهد إلى أن أي تخفيضات ضريبية جديدة يعلن عنها في الموازنة، ستكون بمثابة جزء بسيط من الزيادة القياسية في إيرادات الضرائب كحصة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويرجع ذلك إلى تثبيت حد الإعفاء الضريبي المستمر حتى 2028.
لذلك، توقع استمرار ارتفاع الإيرادات الضريبية كحصة من الناتج المحلي الإجمالي بحيث ترتفع في الفترة 2028-2029 بمقدار 104 مليارات جنيه إسترليني (بالحسابات الحالية)، عن المستوى المسجل في العام المالي 2018-2019.
وأضاف المعهد، «التخفيضات الضريبية دون إصلاح ضريبي ستمثّل فرصة ضائعة أخرى، إذا كان وزير المالية مصمماً على خفض الضرائب ويريد تعزيز النمو، فهناك خيارات أفضل من مجرد خفض معدلات ضريبة الدخل أو خفض مساهمات التأمين الوطني».