اكتفى سيد سعد، وهو مصري متقاعد، بالنظر فقط إلى المكسرات ومستلزمات شهر رمضان عندما اتجه إلى السوق لشراء احتياجات أسرته للشهر الكريم نظراً للارتفاع الشديد في أسعارها مقارنة بالعام الماضي.
أنفق سعد، 700 جنيه (نحو 22 دولاراً) لشراء كميات قليلة من مستلزمات رمضان أو ما يعرف في مصر بياميش رمضان «هذا المبلغ دفعته العام الماضي لشراء كميات أكبر وأكثر، لكن الآن اكتفيت بالنظر لأغلب السلع واشتريت القليل»، هكذا يتحدث سعد بينما يقف حائراً أمام متجر بمنطقة باب البحر وسط القاهرة.
تعاني مصر موجة تضخم عاتية نظراً للارتفاع الشديد لسعر الدولار مقابل الجنيه وتحديداً في السوق الموازية على مدار الأشهر الماضية، ما قفز بأسعار السلع والمستلزمات لمستويات قياسية.
وارتفع معدل التضخم في مصر لمستويات قياسية العام الماضي بلغت 38 في المئة قبل أن يعود للتراجع، لكنه يظل ضمن مستويات قياسية.
ومع الارتفاع الشديد في الأسعار، سيتخلى سعد، الذي يحصل على راتب تقاعدي قدره 3600 جنيه (نحو 116.5 دولار)، عن عاداته خلال شهر رمضان، ويقول «ستتناول الأسرة اللحوم والدجاج في المناسبات ولا عزائم للأهل والأقارب هذا العام».
نال الطعام والشراب النصيب الأكبر من الارتفاعات الشديدة للأسعار في مصر، إذ وصل معدل التضخم السنوي لأسعار الغذاء في مصر لمستويات بلغت 86.2 في المئة خلال شهر يوليو تموز الماضي، قبل أن يعود للتراجع لكنه يظل فوق مستوى 40 في المئة.
ورغم أن علي محمود وضع ميزانية أضعاف ميزانية سعد لشراء مستلزمات شهر رمضان تقدر بعشرة آلاف جنيه مصري (نحو 323 دولاراً) فقد اكتشف هو وزوجته أن هذه الأموال لن تكفي.
ويقول محمود، الذي استخدم اسماً مستعاراً، بينما كان ينظر إلى ورقة صغيرة دوّن عليها مشترياته «نحن قادرون على الإنفاق ورغم ذلك اكتوينا بنار الأسعار فما بالك بمن لا يملك أموالاً».
تغير عادات المصريين في رمضان
يُعرف رمضان في مصر بأنه موسم استهلاكي كبير إذ يقبل الجميع على الشراء خاصة سلع الطعام والمشروبات ويزيد الإنفاق في هذا الوقت من العام.
وأعادت الأزمة الاقتصادية في مصر ترتيب أولويات الإنفاق، إذ بات الأمر يتعلق بالضروريات أولاً ثم يأتي من بعدها ما دون الضروري، حسب ما تقول هبة الليثي، أستاذة الإحصاء في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والمعنية ببحوث الدخل والإنفاق لـ«CNN الاقتصادية».
وتضيف أن نمط الاستهلاك لم ينخفض فحسب، ولكن المستهلكين أيضاً غيّروا من عاداتهم في الإنفاق، فبدلاً من شراء اللحوم والبروتينات أصبحوا يتجهون لأنواع أرخص من الطعام.
وتتوقع هبة الليثي أن يكون التغيير أكثر وضوحاً في أنماط استهلاك الطبقات المتوسطة والمنخفضة، وتضيف «الأسعار المرتفعة أجبرت أيضاً الطبقات الغنية على تغيير سلوكها في الإنفاق، لكن لا تزال لديهم المساحة للإنفاق».
ولمست شركات الأغذية تراجعاً في أحجام مبيعاتها خلال العام الماضي نتيجة الارتفاع الشديد في الأسعار، بحسب ما تقوله مارينا وليم، محللة القطاع الاستهلاكي في شركة الأهلي فاروس.
وتضيف أن الربع الأخير من العام الماضي يظهر تحسناً في أحجام المبيعات لمعظم الشركات، إذ يحتاج المستهلكون للوقت لاستيعاب ارتفاع الأسعار.
ومع اقتراب شهر رمضان بدأت بعض الشركات في إعلان عن تخفيضات للأسعار للاستفادة من الموسم الاستهلاكي الرمضاني «لا يريد أحد أن يفوت هذا الموسم دون الاستفادة»، حسب ما تقول مارينا.
خطوات للسيطرة على الأسعار في مصر
لجأت الحكومة المصرية لعدة إجراءات للسيطرة على الأسعار، إذ أقرت وزارة التموين بإلزام الشركات المصنعة بطباعة الحد الأقصى لأسعار سبع سلع على العبوة وإلزام كل أصحاب المحال والسلاسل التجارية بوضع الأسعار على السلعة أو مكان عرضها.
وحددت الوزارة هذه السلع وهي الزيت والفول والأرز واللبن والسكر الأبيض والمكرونة والجبن الأبيض.
كما نظمت الوزارة عدة معارض للسلع الغذائية بتخفيضات كبيرة في الأسعار لضمان توافر عدة سلع تشهد صعوبة في شرائها أو الحصول عليها مثل السكر.
وتهدف هذه الإجراءات لخفض التضخم الذي تتوقع وكالة فيتش أن يتراجع خلال النصف الثاني من العام الجاري تأثراً بطريقة حساب معدل التضخم، لكن الوكالة تشير إلى أن وضع الاقتصاد الكلي في مصر سيظل صعباً في العامين الماليين الجاري والمقبل مع ارتفاع معدلات التضخم والنمو الضعيف نسبياً.
وسيكون سعد ومحمود أمام شهر رمضان مختلف عن كل عام فلن تشهد طاولة طعامهما ما اعتاداه، وستجبرهما الظروف الاقتصادية على اللجوء لطريق لم يكن محبباً لهما من قبل.