«في العام الماضي نجحنا في تنظيم أربع رحلات عمرة. مكنت 400 شخص من أداء المناسك خلال شهر رمضان. هذا العام العدد لم يتجاوز 40 شخصاً». بهذه الأرقام أعرب محمود أمين عن أسفه من تراجع الإقبال على العمرة. ويعمل أمين مسؤولاً في إدارة برامج الحج والعمرة بإحدى شركات السياحة الخليجية العاملة في مصر. ويضيف أمين أنه على الرغم من تعويم الجنيه المصري الأسبوع الماضي إلا أن آثار التعويم لم تنعكس بعد على السوق. وأن السعر قد يتضاعف لتصل التكلفة إلى 80 ألف جنيه بدلاً من 50 ألفاً كما كان موضحاً في عرض السعر.
وفي مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، قالت وفاء وهي ربة منزل تحصل على معاش زوجها المتوفي إن مبلغ المعاش يصل إلى «8000 جنيهاً. وإن بعض مدخراتها قبل أزمة كورونا مكنتها من أداء مناسك العمرة في بدايات عام 2020. ولكن الآن بعد تخفيض الجنيه أكثر من مرة وارتفاع كلفة الحياة لن أتمكن من توفير المال مجدداً لزيارة مكة والمدينة».
كلفت العمرة وفاء نحو 20 ألف جنيهاً آنذاك. وكانت تقيم في فنادق تبعد نحو كيلومتر واحد عن الحرم المكي والمسجد النبوي، ولكنها كانت مُرضية بالنسبة لها. وتبدو إحباطات وفاء منطقية لأن المبلغ التي كانت تحصل عليه كمعاش من الدولة وقت أدائها العمرة عام 2020 كان يناهز نحو 500 دولار بحسب سعر الصرف حينها. بينما لا يصل اليوم إلى 165 دولاراً بعد التعويم الجديد.
تقلص أعداد المعتمرين بسبب الأزمة الاقتصادية
بات ارتفاع تكلفة العمرة يقض مضاجع الكثير من المصريين ممن اعتادوا السفر إلى الأماكن المقدسة، إذ أنها تمثل بالنسبة لكثير منهم بديلاً عن السفر للتنزه والإجازات. أما بالنسبة لما يسمى بعمرة «المميزين» مادياً أو فئة القادرين على الدفع مقابل مزايا ورفاهيات أكبر – «VIP» – فيقول أمين إن تكلفتها قد تصل إلى «250 ألف جنيه، ولكن صعوبة الظروف الاقتصادية دفعت فئة رجال الأعمال والمسؤولين وأسرهم إلى تقليل وتيرة السفر لأداء العمرة. في الماضي كانوا يسافرون أحياناً أكثر من مرة في العام، ولكنهم الآن لا يسافرون».
وتوجه بعض عملاء شركات السياحة فيما يبدو إلى قنوات أخرى توفر عليهم نفقات العمرة، إذ أن تأشيرة المناسك باهظة الكلفة ويضاف إليها رسوم تأشيرة خروج من مصر تحصل عليها وزارة السياحة المصرية تسمى بار كود وتبلغ وحدها نحو 3000 جنيهاً شاملة مصاريف إصدار تحصل عليها الشركة المصدرة له.
تأشيرات رجال الأعمال وتأشيرات 96 ساعة لأداء العمرة
يشرح محمد عبد الوهاب، وهو موظف بالمعاش يقطن في مدينة نصر بالقاهرة، في اتصال مع «CNN الاقتصادية» أنه بفضل علاقاته «يستطيع توفير تأشيرات زيارة متعددة مرات الدخول تحت بند رجال أعمال أو سياحة للأفراد الذين يرغبون في زيارة الحرم. تبلغ القيمة نحو 16 ألف جنيهاُ». ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية، نجح عبد الوهاب في استصدار عشرات التأشيرات لتبلغ «تكلفة العمرة القصيرة نحو 30 ألفاً فقط. وعلى المعتمر حجز الطيران والإقامة بمعرفته».
والتأشيرة التي ينجح عبد الوهاب في الحصول عليها لن تستفيد منها ربة منزل أو عامل يدوي أو مزارع بسيط. فأغلب من يستطيعون الحصول عليها يشغلون «وظائف معينة كأصحاب الشركات وموظفي البنوك والأطباء» وغيرهم من أبناء الحي الذي عاش مجده في ثمانينات وتسعينيات وبداية ألفية القرن الجديد. ولا يزال يقطنه بعض رجال الدولة والجيل الثاني من أبناء عائلات نجحت في تكوين ثروة كبيرة بفضل العمل في الخليج في الفترة نفسها.
يلجأ آخرون كذلك إلى عمرة الترانزيت أو تأشيرات المرور التي تمنحها المملكة العربية السعودية لمدة 96 ساعة. ويكتفي أصحابها في الأغلب بأداء مناسك العمرة في مكة المكرمة دون زيارة المدينة المنورة بسبب ضيق الوقت شرط المرور بمدينة أخرى قد تكون الرياض أو عمان، كي لا تمنعهم السطات المصرية من السفر أو إجبارهم على دفع المصاريف التي تحصلها شركات السياحة.
في النهاية يعرب أمين عن تفاؤله «نحن في اليوم الأول من رمضان وقد تتغير المعطيات بشكل كامل. ربما من كانوا يحافظون على مدخراتهم بشراء الذهب أو الدولار الأميركي سيبيعون قدراً منها لإنفاقها في إتمام مناسك العمرة. قطعاً سيتأثرون بتغيير سعر الصرف وارتفاع تكلفة الطيران والإقامة. ولكننا قد نصل إلى 100 أو 150 معتمر هذا العام».
أما وفاء التي يقترب عمرها من 70 عاماً والتي قدمت نفسها باسم مستعار كي تكشف دون حرج تفاصيل دخلها فهي في حالة صدمة. وتقول «أعرف أن من الصعب على أن أوفر النقود لزيارة الكعبة ومسجد النبي مجدداً. كما أعرف أنني لن أستطيع أداء فريضة الحج».