حذّر تقرير حديث صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الأوسيد) من الإفراط في إصدار السندات الحكومية وسندات الشركات، بعد أن سجلت مستوى قياسياً بلغ 100 تريليون دولار في عام 2023، أي ما يقرب من حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وأشار التقرير إلى أن اتجاه البنوك المركزية حول العالم لخفض أسعار الفائدة منذ عام 2008 أدى لدخول لاعبين جدد إلى سوق السندات، ومن بينهم الحكومات ذات التصنيف الائتماني الضعيف، ما زاد بدوره من المخاطر المرتبطة بتلك السوق.
على الجانب الآخر، أسهم هذا التوسع في دعم سوق السندات المستدامة، وهي سندات مخصصة لتمويل المبادرات الاجتماعية والمشاريع الخضراء.
الفائدة المنخفضة زادت الإقبال
شهدت سوق السندات نمواً مستمراً منذ عام 2008 نتيجة انخفاض تكلفة التمويل التي زادت الإقبال على هذا النوع من الاستثمارات، لتقفز من 26 تريليون دولار في عام 2008 إلى نحو 100 تريليون دولار في عام 2023، بواقع 64 تريليون دولار للسندات الحكومية و34 تريليون دولار لسندات الشركات.
وتوقع التقرير أن ترتفع قيمة السندات الحكومية بدول الأوسيد في عام 2024 إلى 56 تريليون دولار، أي بزيادة قدرها 30 تريليون دولار مقارنة بعام 2008.
وتعليقاً على تلك النتائج، قال رئيس منظمة الأوسيد، ماتياس كورمان إن هناك بيئة اقتصادية ومالية جديدة تتشكل حول العالم تتسم بارتفاع التضخم وتشديد السياسات النقدية، ما يعزز نمو سوق السندات بوتيرة لم يشهدها العالم منذ عقود ويفرض تحديات جديدة في ما يتعلق بالإنفاق الحكومي والاستقرار المالي للدول.
وأوصى كورمان الحكومات بضرورة إدارة نفقاتها بشكل أكثر كفاءة والتركيز على الاستثمار في المجالات التي تدعم الإنتاجية والنمو المستدام.
انسحاب البنوك المركزية
وبحسب تقرير الأوسيد، كانت البنوك المركزية من أكبر المستثمرين في أدوات الدين خلال العقود الأخيرة، لكنها بدأت مؤخراً الانسحاب تدريجياً من السوق، تاركة الساحة للمستثمرين الأكثر حساسية لمستوى الأسعار مثل الأفراد والمؤسسات غير المالية، ما قد ينتج عنه وفرة هائلة في المعروض العالمي من أدوات الدين نتيجة تراجع الطلب.
فخلال جولات تيسير السياسة النقدية التي أعقبت عام 2008، زاد إقبال الحكومات والشركات على الاقتراض للاستفادة من أسعار الفائدة المنخفضة، ويبدو أن اتجاه البنوك المركزية على مستوى العالم لرفع معدلات الفائدة منذ عام 2022 لم يؤثر كثيراً على النمو القياسي لسوق السندات.
وحذّر التقرير من أن ضخامة حجم السندات المتوقع انتهاء فترة استحقاقها خلال السنوات الثلاث المقبلة، ستزيد الضغط على الموازنات العامة خاصة في الاقتصادات الناشئة، وقد يؤدي ذلك لدخول الكثير من الدول -ومن بينها بعض دول الأوسيد- في حلقة شائكة من ارتفاع الفائدة وتباطؤ النمو واتساع فجوة عجز الموازنة.
وأوصى تلك الدول باتخاذ سياسات مالية أكثر جرأة ومرونة لامتصاص أي صدمات محتملة.
ومن المتوقع أن تنتهي آجال استحقاق 40 في المئة من السندات السيادية و37 في المئة من سندات الشركات بحلول عام 2026، ما يفرض أعباء مالية كبيرة على الحكومات ويؤدي لموجة إقراض جديدة، لكن بمعدلات فائدة أعلى هذه المرة.
وسيقع العبء المالي الأكبر على الاقتصادات الناشئة التي تمثل نحو 51 في المئة من السندات المنتظر استحقاقها في عام 2026.
سوق السندات المستدامة
تمثل السندات المستدامة وسيلة مثالية لتمويل الحكومات والشركات في رحلتها نحو الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون، وقد شهدت نمواً متزايداً خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
في نهاية عام 2023، بلغت قيمة السندات المستدامة الصادرة عن القطاعين الحكومي والخاص 4.3 تريليون دولار مقارنة بـ641 مليار دولار فقط في عام 2018، وتشكل الشركات أكثر من نصف هذه الإصدارات.
وزادت الإصدارات الحكومية من هذه الفئة من السندات بنحو سبعة أضعاف في الفترة من 2019 حتى 2023 مقارنة بالأعوام الخمسة السابقة عليها.
أما إصدارات الشركات من السندات المستدامة، فارتفع بنحو ستة أضعاف خلال الفترة ذاتها، وفقاً لتقرير الأوسيد.