«يحطم قمة تلو أخرى» هي الجملة المقترنة بالذهب منذ نهاية العام الماضي، فقد ربح سعر كل أوقية من المعدن الأصفر 465 دولاراً منذ أكتوبر تشرين الأول الماضي و144 دولاراً الشهر الماضي و26 دولاراً في الأربعة وعشرين ساعة المنصرمة.

جاء تقرير مجلس الذهب السنوي تحت عنوان «الذهب كأصل استراتيجي» ليفند أسباب استمرار جاذبية المعدن الثمين في أربعة أوجه رئيسية للطلب العالم هي الاستثمار بنسبة 39 في المئة أي شراء السبائك والعملات.

احتلت صناعة المجوهرات والحلي المرتبة الثانية بنسبة 35 في المئة، وحلّ شراء البنوك المركزية ثالثاً بنسبة 19 في المئة لتكوين أو رفع الاحتياطات الوطنية للدول وأخيراً لم تشكّل احتياجات قطاع التكنولوجيا سوى 7 في المئة.

يبلغ متوسط الطلب السنوي بحسب التقرير نحو 3126 طناً بقيمة 195 مليار دولار بناءً على دراسات السوق في نهاية عام 2023.

متوسط العائد السنوي 8 في المئة منذ أكثر من 50 عاماً

وبحسب تقرير مجلس الذهب العالمي الأخير، فإن سعر المعدن النفيس «ارتفع بنسبة 8 في المئة تقريباً بشكل سنوي منذ عام 1971»، أي منذ توقف الحكومة الأميركية عن استبدال الدولارات بالذهب بسعر ثابت، «وظل العائد من الاستثمار في الذهب ظل أكثر ثباتاً من العديد من مؤشرات أسواق المال والبضائع والبدائل الأخرى».

ويُقدّر التقرير أن معدل تطاير أو عدم استقرار المعدن الأصفر لا يصل إلى 20 في المئة في العام بينما يقترب التباين بين أعلى نقطة وأدنى نقطة في أسعار النفط في فترة 365 يوماً إلى 40 في المئة ويصل التفاوت إلى نحو 30 في المئة في أدوات الرهن العقاري.

استمرار الطلب وسرعة التسييل يجعلان الذهب أصلاً استراتيجياً

ويعزو التقرير أسباب حفاظ المعدن القديم على بريقه إلى قلة حجم المعروض وتعدد مصادر الطلب وسرعة تسييله فضلاً عن أنه يحمي المستثمرين من آثار التضخم في السنوات التي تتحرك فيها نسب التضخم بين 2 في المئة و5 في المئة، وهي الحالة التي يعيشها العالم منذ نحو عامين، وما أدى رفع الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية لأسعار الفائدة.

ويأتي الذهب ليعوض حائزيه أو يكافئهم لاستخدامه كأصل استراتيجي في فترات عدم اليقين الاقتصادي، إذ ارتفع سعر الأوقية بنسبة 50 في المئة في وقت الانكماش العظيم قبل نحو قرن.

وصعدت بنسبة تلامس 30 في المئة خلال أزمة الديون السيادية الثانية وقرب 8 في المئة في غضون أزمة الأسواق الناشئة عام 2018، بينما جاء الانخفاض الوحيد في تسعينيات القرن العشرين وقت ظهور فقاعة الإنترنت التي أدت لخسارة الذهب نحو 8 في المئة من قيمته، ولكن سرعان ما عوّضت الأوقية خسارتها بعد فترات الأزمات أو عدم اليقين، فارتفع السعر بين أدنى نقطة وأعلى نقطة بعد أزمة فقاعة الإنترنت إلى 167 في المئة بينما لم يبلغ حيز التحرك بين الخسارة والربح في أذون الخزانة الأميركية سوى نحو 30 في المئة بحسب التقرير.

الذهب

180 مليار دولار متوسط التداول اليومي في 2023

وتشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن متوسط التداول اليومي على المعدن الأصفر خلال عام 2023 وصل إلى نحو 180 مليار دولار متجاوزاً اليورو والين والجنيه الإسترليني، وأذون خزانة الحكومة البريطانية والسندات الألمانية ولا يتخطى عمليات بيع وشراء الذهب سوى سهم S&P500 الذي يكسر حجم التداول اليومي عليه عتبة 250 مليار دولار.

ويعرض التقرير المنظمة التي تتخذ من لندن مقراً وتعمل كلوبي أو نادٍ مصالح للاعبي الصناعة كافة، تقهقر القوة الشرائية للعملات الرئيسية مثل الدولار الأميركي واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني بين عامي 2002 و2022.

فما كنت تحتاج إلى نحو 20 دولاراً لشرائه في بداية الألفية سيلزمك 80 دولاراً لاقتنائه في فترة نهاية الدراسة، بينما تظل القوة الشرائية للذهب ثابتة، فما كنت ستشريه بغرام من الذهب قبل عشرين عاماً ستشتريه بغرام عام 2022.

لم يعرض التقرير بعد حجم القوة الشرائية في عام 2023 الذي شهد تذبذباً كبيراً بسبب التضخم وسياسة التشديد النقدي التي يتبناها الفيدرالي الأميركي.

وبين سياسة التشديد النقدي للفيدرالي الأميركي واحتياطات البنوك المركزية وفقاعة الإنترنت والقوة الشرائية، ظل الذهب أصلاً استراتيجياً حتى قبل اتفاق بريتون وودز بتغيير الدولار مقابل الذهب وقبل إلغائه من قبل الرئيس ريتشارد نيكسون وقبل ميلاد مبدأ الغطاء الذهبي للأوراق النقدية، واليوم يلامس سعر الأوقية 2337 دولاراً.

فإذا اشتريت كيلوغراماً من الذهب عام 2000 بنحو 10 آلاف دولار فقيمته اليوم تبلغ نحو 75 ألف دولار. ولكن احذر فالمثل الشعبي الفرنسي ينصح حائزي المعدن الأصفر «املك الذهب ولا تدعه يملكك».