تتجه أسعار الذهب نحو تحقيق مكاسبها للأسبوع الثالث على التوالي، بدعم من تدفقات قوية على الاستثمار في هذا الملاذ الآمن، خاصة مع ارتفاع احتمالات خفض أسعار الفائدة الأميركية.
يأتي هذا الإقبال القوي على المعدن الأصفر في ظل المخاوف من تأثير خفض أسعار الفائدة على العملات القوية مثل الدولار واليورو، والذي عادةً ما يدفع المستثمرين للتحوط بالملاذات الآمنة كالمعادن النفيسية.
وفي هذا الإطار، أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، مؤخراً أن المجلس لديه الوقت لإجراء المزيد من المداولات بشأن أول خفض للفائدة، وذلك بالنظر لقوة الاقتصاد الأميركي وقراءات التضخم.
أما رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، فقد ألمحت إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة خلال شهر يونيو تموز المقبل؛ خاصة بعدما أظهرت التوقعات أن التضخم سيبلغ الحد المستهدف البالغ 2 في المئة بحلول عام 2025.
والآن، يتوقع المتعاملون فرصة بنحو 65 في المئة لخفض أسعار الفائدة الأميركية في يونيو حزيران المقبل، وفقاً لخدمة فيد ووتش. ومن المعروف أن انخفاض أسعار الفائدة يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يدر عائداً.
خفض الفائدة يضغط على العملة
ظل الدولار في وضع جيد خلال الأشهر الأخيرة مدعوماً بأسعار الفائدة المرتفعة، إذ زادت مكاسبه بنسبة 2.5 في المئة تقريباً خلال العام الجاري، أما اليورو، فقد بقي ضمن نطاق التذبذب الضعيف منذ مارس آذار الماضي، وسط حالة الترقب لقرارات البنك المركزي الأوروبي، لتبلغ خسائره مقابل الدولار نحو 1.3 في المئة منذ بداية العام.
ويعتمد استمرار ارتفاع الذهب على عدد من العوامل منها قرارات البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة وتحركات التضخم، فخفض الفائدة يؤدي لارتفاع أسعار المعادن النفيسة مع زيادة الإقبال عليها كاستثمار بديل.
ينطبق الأمر نفسه على أسعار الصرف التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأسعار الفائدة خاصة عوائد السندات القصيرة، فضَعف الدولار يؤدي إلى ارتفاع سعر الذهب.
وحول العلاقة بين خفض الفائدة وتحركات الدولار واليورو، قالت الخبيرة الاقتصادية، شيماء سراج عمارة، لمنصة «CNN الاقتصادية» إن «نقطة البداية هي معدلات التضخم، فوفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، قد تنخفض معدلات التضخم الكلي العالمية خلال عام 2024 لتصل إلى 5.8 في المئة، و4.4 في المئة خلال 2025، وبالتالي فإن المتوقع أن تتجه البنوك المركزية إلى خفض معدلات الفائدة وفقاً لأداء الاقتصادات الداخلية في كل دولة وانخراطها في الاقتصاد العالمي».
وأضافت «نظراً لأن حجم الاقتصاد الأميركي هو الأكبر عالمياً، إذ يشكل 25 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، يليه اقتصاد الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بنسبة 22 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي؛ فإنه من المتوقع انخفاض قيمة العملة الأميركية واليورو الأوروبي بصورة نظرية كنتيجة اقتصادية لانخفاض معدلات التضخم، وبالتالي خفض معدلات الفائدة على تلك العملات».
وأكدت أن قيمة الدولار واليورو تتأثر بعوامل أخرى مثل استحواذ الجانبين الأميركي والأوروبي على حصة كبيرة من التجارة العالمية ما يحد من انخفاض العملتين نتيجة ارتفاع الطلب عليهما، إلا أنها أشارت إلى تغير تلك المعادلة إذا استطاعت دول أخرى من خلال الاتفاقات التجارية الدولية أن تكسر حاجز الهيمنة الأميركية والأوروبية لتسهم بدرجة أكبر في خفض قيمتهما.
العلاقة بين الدولار واليورو والذهب
يحظى اليورو بمكانة قوية كعملة احتياطية دولية، فهو العملة الثانية الأكثر تداولاً على نطاق واسع بعد الدولار الأميركي، إلا أن أزمة الديون السيادية الأوروبية تشكك في قدرة هذه العملة على الصمود في بعض الأحيان.
وعلى مدار أعوام، اقترن الذهب بتحركات اليورو إلى حد بعيد، فعندما يرتفع سعر صرف اليورو ترتفع أسعار الذهب أيضاً، لكن هذه العلاقة المتينة انهارت في عام 2005، وفقاً لتقرير أوردته فاينانشيال تايمز.
وعزا التقرير ذلك إلى قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي حينها برفع أسعار الفائدة بشكل مطرد، كما تراجعت العلاقة بين العملة الأوروبية والذهب مرة أخرى في عام 2010 عندما تفاقمت الأزمات اليونانية والأيرلندية ما دفع الباحثين عن الملاذ الآمن إلى التخلص من اليورو واللجوء إلى الذهب.
وحتى أغسطس آب 2011، ساعدت أزمات منطقة اليورو على انتعاش أسعار الذهب، وفقاً للتقرير ذاته، إلا أن الثقة المتزايدة في استعداد ألمانيا لإصلاح مشكلات منطقة اليورو حينذاك، أسهمت في دعم قيمة اليورو.
على الجانب الآخر، أوضحت عمارة أن العلاقة عكسية بين الدولار والذهب، فانخفاض الدولار يعني ارتفاع الذهب والعكس صحيح، لأن الارتباط بينهما سياسي وفقاً لنظام المبادلة الذي أطلقته الولايات المتحدة الأميركية عام 1944 في إطار اتفاق بريتون وودز، ليصبح الذهب معيار تسعير الدولار، وعلى الرغم من فك هذا الترابط عام 1971؛ فإن العلاقة بينهما ظلت قائمة نظراً لهيمنة الاقتصاد الأميركي عالمياً.
وبالتالي، فإن الانخفاض المتوقع في كل من الدولار واليورو خلال عامي 2024 و2025، حتى وإن كان طفيفاً، قد يؤدي لارتفاع أسعار الذهب في المقابل.