تتجه أنظار العالم بلا شك نحو عام 2024 الجاري بسبب ما يحمله من انتخابات رئيسية حول العالم، فبين انتخابات الرئاسة الأميركية التي تمثل قوة اقتصادية وسياسية هائلة، وصولاً إلى انتخابات الهند، يظهر عام 2024 بوصفه عاماً تاريخياً في الساحة السياسية العالمية، ولكن ما أثر هذه الانتخابات على الأسواق المالية العالمية؟

للإجابة عن هذا السؤال يتطلب منا الأمر النظر إلى الانتخابات الباقية في العام، والتي تمثل دولها نحو 60 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، حيث يُلقي تأثير نتائج الانتخابات في هذه الدول بظلاله على مسار الأسواق المالية العالمية.

وقد أجرت كلٌّ من تركيا وتايوان وروسيا والبرتغال بالفعل انتخاباتها، وبحلول نهاية العام، ستكون البلدان التي تمثل أكثر من 60 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي وأكثر من نصف سكانها قد صوتوا في انتخابات بلادهم.

ومن أهم الأحداث الانتخابية المنتظرة في عام 2024، انتخابات أميركا والهند وبريطانيا وجنوب إفريقيا.

الهند

من المتوقع أن يكتسح ائتلاف يقوده حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، غالبية المقاعد البرلمانية، ومع ذلك؛ فإن التضخم المستمر -وخاصة في أسعار المواد الغذائية- وضعف خلق فرص العمل، يمكن أن يضر بفرص الحزب الحاكم للبلاد.

وقد أثارت الدولة المصدرة للسلع الأساسية -ومنها الأرز والقمح والسكر- اضطراباً في الأسواق بتقييد صادراتها من تلك السلع، كما أن الهند مهددة بالتحول مرة أخرى إلى الشعبوية المالية، التي من شأنها تمديد العجز المالي الواسع بالفعل في الهند، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الاقتراض.

ويقدر صندوق النقد الدولي أن الدين العام في الهند قد يصل إلى 82.3 في المئة بحلول 2024/2025.

يذكر أن الانتخابات البرلمانية في الهند ستُجرى على مراحل من 19 أبريل نيسان إلى 1 يونيو حزيران، مع فرز الأصوات في يونيو حزيران.

جنوب إفريقيا

تُجرى الانتخابات العامة في جنوب إفريقيا في 29 مايو أيار المقبل، والتي من المتوقع أن يفقد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم أغلبيته البرلمانية لأول مرة منذ أن قاده نيلسون مانديلا إلى السلطة في عام 1994.

ومع الركود الاقتصادي وانقطاع التيار الكهربائي والبطالة ومزاعم الكسب غير المشروع التي تنفر الناخبين، قد يحتاج حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى الشراكة مع التحالف الديمقراطي، أو مقاتلي الحرية الاقتصادية اليساريين المتطرفين.

ويمكن للحكومة زيادة الإنفاق قبيل الانتخابات، ما يؤدي إلى زيادة معدلات الديون أما في حالة تحالف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مع حزب يساري فقد يرتفع الإنفاق الاجتماعي، كما قد تؤدي المخاوف بشأن ضعف العملة وضغوط المالية العامة إلى إبطاء خفض أسعار الفائدة.

أوروبا

تتوقع استطلاعات الرأي أن تفوز الأحزاب القومية في أوروبا بعدد قياسي من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي، كما حافظ حزب الشعب الأوروبي المنتمي ليمين الوسط على تقدمه في استطلاعات الرأي، حتى مع الصعود الشعبوي المتوقع.

ومع ذلك، فإن تأمين الأغلبية قد يشكل تحدياً، وربما يجبرها على إجراء مقايضات سياسية في وقتٍ يتم التركيز على دعم أوكرانيا وسياسة المناخ.

وتقام انتخابات البرلمان الأوروبي في الفترة من السادس إلى التاسع من يونيو حزيران، بينما ستصوت بلجيكا في التاسع يونيو المقبل، ومن المقرر إجراء انتخابات كرواتيا في الخريف والشتاء، ورومانيا في نوفمبر تشرين الثاني، بينما لم يتم تأكيد مواعيد النمسا بعد.

المكسيك

في انتخابات الثاني من يونيو حزيران، سيختار الناخبون في المكسيك الرئيس وكل عضو في الكونغرس وثمانية حكام ولايات.

المرشحة الرئاسية من حزب حركة التجديد الوطني الحاكم (مورينا)، عمدة مكسيكو سيتي السابقة كلوديا شاينباوم، لديها تقدم في سباق الانتخابات.

وتضغط مورينا من أجل أغلبية الثلثين في الكونغرس، ما سيمكنها من إجراء تغييرات دستورية دون دعم المعارضة، التي تشكل شعبيتها داخل الكونغرس المكسيكي خطراً على السوق، إذ يعتزم الحزب تمرير قوانين للإصلاح الاقتصادي لا يوافق عليها مجتمع الأعمال، بما في ذلك في قطاع الطاقة.

فينزويلا

يترشح الرئيس نيكولاس مادورو لولاية ثالثة في انتخابات فنزويلا في 28 يوليو تموز، ومن غير الواضح من سيتحداه في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية.

تم منع الفائزة في الانتخابات التمهيدية للمعارضة، ماريا كورينا ماتشادو من المشاركة، ولم يسمح للبديل الذي اختارته بالتسجيل.

ورفعت أميركا العقوبات النفطية حتى منتصف أبريل نيسان وأزالت الحظر التجاري الثانوي لبعض السندات الفنزويلية وديون شركة النفط الحكومية بي دي في إس إيه، ما أسهم في تحقيق صادرات النفط أعلى مستوى لها خلال أربع سنوات كما ارتفاع أسعار السندات بعد وقف العقوبات، كما يمكن لفنزويلا أيضاً أن تحاول إعادة هيكلة ديونها.

أميركا

يواجه المرشح الجمهوري دونالد ترامب الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 5 نوفمبر تشرين الثاني، ويواجه ترامب أربع لوائح اتهام جنائية وخسر للتو محاولة لتأجيل محاكمة مالية صامتة.

وتتصارع حملة إعادة انتخاب بايدن مع مخاوف الناخبين بشأن الاقتصاد على الرغم من نمو الوظائف ونمو الناتج المحلي الإجمالي القوي.

هناك الكثير على المحك على الصعيد العالمي، بما في ذلك المساعدات لأوكرانيا، إذا أعيد انتخاب ترامب، كما أنه من المتوقع أن تكون الرحلة وعرة للأسهم وأسواق الفوركس.

ويشعر صانعو السياسة في الاتحاد الأوروبي بالقلق من أنه قد يعيد فرض التعريفات الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم الأوروبية التي علقها بايدن، بينما طرح ترامب فكرة تعريفة استيراد عالمية بنسبة 10 في المئة ورسوم بنسبة 60 في المئة أو أكثر على الصين.

ويمكن أن تؤدي التعريفات المرتفعة إلى زيادة التضخم ورفع الدولار والإضرار بالعملات الأخرى.

بريطانيا

وتعد الانتخابات البريطانية -المقرر إقامتها بحلول يناير كانون الثاني من عام 2025، إلى جانب الانتخابات المحلية المُزمع إقامتها في مايو أيار من العام الجاري- اختباراً حقيقياً لحزب المحافظين الحاكم، والذي يتقدم عليه في استطلاعات الرأي حزب العمال المعارض.

وقد وضع حزب العمال، الذي يحرص على إظهار أنه يمكن الوثوق به في الاقتصاد، قواعد مالية سيلتزم بها إذا لم يكن هناك أي شيء آخر.

ووسط اقتصاد مستقر ومع استمرار معاناة الأسر من ارتفاع التضخم، عرض وزير المالية جيريمي هانت الشهر الماضي تخفيضات ضريبية في ميزانيته لإحياء آمال حزب المحافظين في الفوز بالانتخابات.