يشهد قطاع التصنيع في الهند قصة نمو كبيرة، تطورت بشكل مثير من الممارسات التقليدية إلى الإنتاج الحديث القائم على التكنولوجيا، ما أدى إلى التوسع الاقتصادي وخلق فرص العمل.

ومع إطلاق برنامج حكومة الهند المُسمّى «اصنع في الهند»، والذي أعطى دفعةً قويةً للصنّاع، تقف الهند على مشارف مستقبل تصنيع مزدهر.

وتفتخر الهند حالياً بإجمالي ناتج محلي يبلغ نحو 3.75 تريليون دولار، وتطمح الهند إلى أن تصبح اقتصاداً بقيمة 5 تريليونات دولار بحلول عام 2027.

وقبل أيام، أظهر مسح شهري أن نمو قطاع التصنيع في الهند ارتفع إلى أعلى مستوى في 16 عاماً خلال شهر مارس آذار على خلفية أقوى زيادة في الإنتاج والطلبيات الجديدة منذ أكتوبر 2020، وسط تقارير عن ظروف الطلب المزدهرة.

وارتفع مؤشر مديري المشتريات الصناعي المعدل موسمياً في الهند إلى أعلى مستوى له منذ 16 عاماً عند 59.1 نقطة في مارس آذار، من 56.9 نقطة في فبراير، ما يعكس نمواً أقوى للطلبات الجديدة والإنتاج ومخزونات المدخلات، إضافة إلى تجدد خلق فرص العمل.

وفي لغة مؤشر مديري المشتريات، تشير النتيجة فوق 50 نقطة إلى التوسع، بينما تشير النتيجة أقل من 50 إلى الانكماش.

«ارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في الهند لشهر مارس آذار إلى أعلى مستوى له منذ عام 2008، ووسعت شركات التصنيع التوظيف استجابة للإنتاج القوي والطلبات الجديدة، وعلى خلفية الطلب القوي والتشديد الطفيف في الطاقة الإنتاجية، ارتفع تضخم تكاليف المدخلات في مارس آذار»، وفقاً لإينيس لام الخبيرة الاقتصادية لدى بنك إتش إس بي سي.

قطاع الصناعات التحويلية

ارتفع إنتاج الصناعات التحويلية للشهر الثالث والثلاثين على التوالي في مارس آذار، وإلى أقصى حد منذ أكتوبر تشرين الأول 2020، وتسارع النمو في قطاعات السلع الاستهلاكية والوسيطة والاستثمارية.

وتعززت تدفقات العمل الجديد من الأسواق المحلية وأسواق التصدير، وقال المسح إن طلبيات التصدير الجديدة زادت بأسرع وتيرة منذ مايو 2022.

وزادت كميات الشراء بأسرع معدل منذ منتصف عام 2023، وكانت من بين الأقوى منذ ما يقرب من 13 عاماً، حيث سعت الشركات إلى بناء مخزون قبل التحسينات المتوقعة في المبيعات.

نمو الوظائف

على صعيد الوظائف، بعد ترك أرقام الرواتب دون تغيير على نطاق واسع في الشهرين الماضيين، قام المصنعون في الهند بتعيين عمال إضافيين في مارس آذار، وقال المسح إن وتيرة خلق الوظائف كانت معتدلة، لكنها الأفضل منذ سبتمبر 2023.

وعلى صعيد الأسعار، وعلى الرغم من بقائها متواضعة بالمعايير التاريخية، فقد بلغت ضغوط التكلفة أعلى مستوياتها خلال خمسة أشهر، وذكرت الشركات أنها دفعت مبالغ أكبر مقابل القطن والحديد وأدوات الآلات والبلاستيك والصلب.

ومع ذلك، ظل الاحتفاظ بالعملاء يمثل أولوية بالنسبة لمنتجي السلع الذين رفعوا رسومهم إلى أقل حد خلال أكثر من عام.

اصنع في الهند والحوافز المرتبطة بالإنتاج

لعبت حكومة الهند دوراً محورياً في خلق بيئة مواتية للازدهار الاقتصادي، واجتذب برنامج «اصنع في الهند» الذي تم إطلاقه منذ ما يقرب من عقد من الزمان استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة.

والمحرك الأساسي لهذه المبادرة هو مخطط الحوافز المرتبطة بالإنتاج عبر 14 قطاعاً، يهدف هذا المخطط إلى تعزيز سلاسل التوريد، وتعزيز القدرة التنافسية وإمكانات التصدير، ما يوفر مكاسب كبيرة في الإنتاج والعمالة، خاصة بالنسبة للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، استكمالاً لهذه المبادرات، تعزز مبادرة «أتمانيربهار بهارات» الاعتماد على الذات، وتنشيط الاقتصاد بعد الجائحة.

ويضاف إلى ذلك إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي، والتقليل من الاعتماد على الواردات وخلق فرص عمل، لا سيما في القطاعات المحورية مثل الطاقة والفحم والدفاع والطيران والتعدين.

الصناعات الرئيسية في الهند

أحرزت مختلف القطاعات تقدماً مثيراً للإعجاب نحو تحقيق الإنتاج المعتمد على الذات والصادرات المؤثرة، وفقا لـ”باي تي إم” ومن أبرزها:

البرمجيات والخدمات

الهند واحدة من المصدرين الرئيسيين لخدمات تكنولوجيا المعلومات وخدمات الاستعانة بمصادر خارجية للعمليات التجارية على مدى العقدين الماضيين، وأصبحت الهند أيضاً بائعاً رئيسياً عندما يتعلق الأمر بخدمات البرمجيات كخدمة وعروض التكنولوجيا الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، أسهم تنفيذ مشروع (India Stack)، وهو مشروع إنشاء منصة برمجية موحدة لجلب سكان الهند إلى العصر الرقمي، في لعب دور محوري في إطلاق العنان لاقتصاد الإنترنت في الهند.

وفي التكنولوجيا المالية والخدمات المالية، مع ظهور التطبيقات الذكية والإنترنت، اكتسبت خدمات التكنولوجيا المالية قوة جذب كبيرة بعد الجائحة، ومن المتوقع أن يشهد هذا القطاع نمواً كبيراً في السنوات القادمة.

وبالنسبة لمصادر الطاقة المتجددة، يشهد قطاع الطاقة المتجددة طفرة، مدفوعة بسياسات واستثمارات قوية، لا سيما من خلال مبادرات مثل مهمة الهيدروجين الوطنية (National Hydrogen Mission) ونهج يركز على الطاقة الشمسية، ما يجذب تدفقات كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر.

أما البنية التحتية، فتعمل المبادرات الاستراتيجية مثل برنامج تطوير الممرات الصناعية الذي يضم 11 ممراً على تعزيز الاتصال والبنية التحتية اللوجستية في الهند، وتعمل المشاريع الكبرى -مثل بهاراتمالا باريوجانا، ومشروع ساجارمالا- على إحداث ثورة في شبكات الاتصال والخدمات اللوجستية، وتعزيز سهولة ممارسة الأعمال التجارية.

قطاع التصنيع

هذا القطاع الذي يشمل القطاعات الفرعية الرئيسية مثل المواد الكيميائية والسيارات والمنسوجات والإلكترونيات والمستحضرات الصيدلانية، هو بالفعل في طليعة التحول الاقتصادي في البلاد، وتهدف الحكومة لرفع مساهمة التصنيع إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يدفع الهند نحو أن تصبح مصنعاً عالمياً.

تشمل الإنجازات الجديرة بالملاحظة الارتفاع الكبير في الصادرات إلى 450 مليار دولار في السنة المالية 235، وهي زيادة كبيرة على مستوى ما قبل الجائحة البالغ 330 مليار دولار في السنة المالية 2019.

وبعض القطاعات الفرعية التي تعمل على تشغيل هذا القطاع، المواد الكيميائية، ففي مجال المواد الكيميائية، تحتل الهند المرتبة السادسة بين أكبر المنتجين العالميين، والثالثة في آسيا، كما تلعب دوراً محورياً في توفير العناصر الأساسية لمختلف الصناعات التي تمتد عبر المنسوجات والدهانات والمستحضرات الصيدلانية والكيماويات الزراعية.

وفي السيارات، تستعد صناعة السيارات لنمو كبير من خلال مبادرات مثل خطة مهمة السيارات، التي تستهدف إنشاء 3.2 مليون وظيفة إضافية مباشرة بحلول عام 2026، وتتطلب استثماراً يتراوح بين 25 و30 مليار دولار.

الرعاية الصحية والصيدلة، تعتبر الهند «صيدلية العالم»، وتمتلك ثالث أكبر صناعة أدوية في العالم من حيث الحجم، وقد زادت منتجات التكنولوجيا الحيوية من 10 منتجات إلى أكثر من 700 منتج في عام 2022.

وفي صناعة الدفاع، كانت هناك دفعة كبيرة للبنية التحتية التصنيعية الدفاعية المحلية، وتصدر الهند الآن معدات دفاعية إلى أكثر من 75 دولة، أما الأنظمة الإلكترونية، فتلتزم الهند بهدف الوصول إلى تصنيع وتصدير الإلكترونيات بقيمة 300 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025، وتؤكد هذه الصناعات بشكل جماعي التزام الهند بالاكتفاء الذاتي والقدرة التنافسية العالمية.

مستقبل التصنيع الهندي

وفيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية لقطاع التصنيع الهندي، ظلت الشركات واثقة في المتوسط، حيث توقع 28 في المئة نمو الإنتاج في العام المقبل، وتوقع 1 في المئة انكماشاً.

وظل المستوى العام للمعنويات مرتفعاً، لكنه انخفض إلى أدنى مستوى له منذ أربعة أشهر حيث أثرت المخاوف من التضخم على الثقة.

يتم تجميع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي إتش إس بي إنديا بواسطة إس أند بي غلوبال من الردود على الاستبانات المرسلة إلى مديري المشتريات في لجنة مكونة من نحو 400 شركة مصنعة.