على الرغم من انتهاء أزمة سعر صرف الدولار في مصر في الوقت الحالي، فإن الكثير من المصريين ممن بدؤوا في التحوط بالذهب منذ نحو عامين لا يزالون يفضلون الاستثمار في المعدن الأصفر، مع عدم تأثر مبيعات الذهب حتى بعد مرور 40 يوماً على تعويم الجنيه الأخير.
وتستقر المبيعات بسبب خوف المصريين من تكرار الأزمة وتآكل مدخراتهم، بسبب خضوع الجنيه المصري إلى أربعة تخفيضات متتالية لقيمته منذ مارس آذار 2022، قفز خلالها سعر صرف الدولار في السوق الرسمية من 15.8 جنيه إلى 48.6 جنيه.
مريم التي تبلغ من العمر 32 عاماً تستهل حديثها مع «CNN الاقتصادية» من داخل أحد متاجر بيع الذهب بحي مصر الجديدة إلى الشمال من وسط القاهرة بجملة قصيرة «أدركت أخيراً أن الذهب لا يخسر أبداً وسأستمر في الشراء كلما استطعت»، أتت مريم لشراء سبيكة تحفظت على ذكر وزنها، ولكنها أكدت أنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها بشراء الذهب «للحفاظ على قيمة» مدخراتها فقد حصلت على بضع سبائك طوال العام الماضي، وأضافت السيدة التي تعمل في مجال وساطة بيع العقارات أنها بدأت «شراء الذهب في منتصف العام الماضي عندما كان سعر الغرام 2600 جنيه».
فوزي الذي تتعامل معه مريم منذ نحو عام قال إن «استمرار ارتفاع مبيعات الذهب مرتبط بشكل كبير بتوفر الأموال السائلة في أيدي العملاء، وقرار البنك المركزي برفع الحد الأقصى للسحب النقدي إلى 250 ألف جنيه في اليوم (نحو 5150 دولاراً) سيزيد دون شك مبيعات الذهب».
بحسب بيانات المجلس العالمي للذهب، فإن مصر احتلت المركز الثالث دولياً في شراء السبائك والعملات الذهبية خلال الربع الثالث من عام 2023 بزيادة 87 في المئة عن الفترة نفسها من العام السابق، ما جعل غرام الذهب من عيار 24 الأكثر انتشاراً في مصر منذ نحو عام وذلك على حساب عيار 21 الذي تصاغ منه المشغولات الذهبية التي تراجعت مبيعاتها.
ارتفاع الطلب على سبائك الذهب الكبيرة
أما ميلاد أحد تجار الذهب فقد شرح في لقاء مع «CNN الاقتصادية» أن «المتجر أصبح يستقبل منذ فترة نوعاً جديداً من العملاء مثل أصحاب الشهادات الادخارية في البنوك، ومنذ نهاية العام انخفض الطلب على السبائك الصغيرة زنة 5 و10 غرامات لصالح السبائك الكبيرة، بعض المشترين يطلبون سبائك 100 غرام أو 500 غرام أو كيلوغرام، فالشغل الشاغل للجميع أن الذهب هو الاستثمار الوحيد الآمن».
وشهادات البنوك في مصر هي أوعية ادخارية ذات عائد تصدرها البنوك لتساعد أصحاب الحسابات المصرفية على تعويض التضخم الذي وصل في سبتمبر أيلول الماضي إلى 38 في المئة، بينما كانت شهادات البنوك تدر في ذلك الوقت عائداً يصل إلى 25 في المئة ما يعني أن نسبة الفائدة كانت سلبية مقارنة بالتضخم.
ويقول نادي نجيب السكرتير السابق لشعبة الذهب بالغرفة التجارية في اتصال مع «CNN الاقتصادية» إنه «لا يجب إغفال الارتفاعات العالمية في سعر الذهب التي تغذيها المناوشات السياسية في المنطقة ما يدفع أصحاب الأموال إلى حفظ أموالهم في الذهب، هذه المناوشات تعمل كمحرك أساسي في رفع المبيعات فضلاً عن إدراك المشترين أن الذهب يصعد دائماً حتى بعد تعرضه لموجات هبوط».
وارتفع سعر غرام الذهب نحو 1000 جنيه أي نحو 20 دولاراً أميركياً منذ أول عملية شراء قامت بها مريم، وإلى جانب اضطراب المشهد الاقتصادي في مصر طوال عامين وتآكل الجنيه المصري، فإن السعر العالمي للمعدن الأصفر شهد موجات متتالية من الصعود منذ ديسمبر كانون الأول من العام الماضي، تخطى خلالها سعر الأوقية 2400 دولار للمرة الأولى على الإطلاق مطلع هذا الأسبوع، ويتوقع مراقبون أن يصل سعر الأوقية إلى 2700 دولار قبل نهاية العام الحالي.
وكان مازن سلهب، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة «بي دي سويس» قد عزا، في حديث سابق مع «CNN الاقتصادية»، الارتفاع الصاروخي في أسعار الذهب العالمية إلى تراجع آمال خفض الفائدة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى التضخم العنيد، وكذلك الإقبال الواسع من الصينيين على الشراء.
في النهاية، يسلط استقرار مبيعات الذهب، رغم تعويم الجنيه الأخير، الضوء على الخوف المستمر من تكرار الأزمة وتآكل القيمة الحقيقية للمدخرات، وتشير التجربة إلى أن الذهب يبقى الملاذ الآمن في أوقات الاضطراب، ما يدفع الكثيرين للاستمرار في شرائه كاستثمار طويل الأمد يحمي القوة الشرائية لأموالهم.