لم تكد التجارة العالمية تستفيق من أزمة عاصفة بعد توقف سلاسل الإمداد بسبب فيروس كورونا في 2020 حتى نشبت الحرب بين أوكرانيا وروسيا ومن ثَمَّ حرب غزة وما تبعها من توترات البحر الأحمر.
وتتكبد التجارة العالمية خسائر كبيرة مع استمرار الاضطرابات حول العالم وهي مرشحة للمزيد في ظل توقعات ضعيفة لنمو التجارة عالمياً، وفقاً لبيانات من صندوق النقد الدولي.
وقال الصندوق إن الهجمات المستمرة في البحر الأحمر والحرب في أوكرانيا تهددان بتوليد صدمات إضافية في الإمدادات تضر بالانتعاش العالمي وارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة والنقل.
ومن المتوقع أن يظل نمو التجارة أقل من المستويات التاريخية والبالغة في المتوسط 4.9 في المئة ليبلغ 3.2 في المئة خلال 2029.
وتعاني التجارة العالمية حالياً من طول فترات التنقل مع ارتفاع كبير في تكلفة شحن البضائع والسلع نتيجة تغير مسار التجارة من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح.
ومع تزايد الانقسامات على طول الخطوط الجيوسياسية، خاصة منذ بدء الحرب في أوكرانيا في 2020، يشير تحليل لخبراء صندوق النقد إلى أن نمو التجارة والتدفقات بين الكتل الجيوسياسية انخفض بشكل ملحوظ مقارنة بنمو التجارة داخل التكتلات.
تأثير حرب أوكرانيا على التجارة العالمية
تسببت حرب أوكرانيا في انقسام العالم بين 3 كتل تجارية إحداهما تضم دولاً رافضة للحرب والأخرى تؤيد روسيا والثالثة تقف على الحياد بين الطرفين، وتشير بيانات صندوق النقد إلى أن التجارة البينية تأثرت بشدة من الحرب بين هذه الكتل.
ويقسّم صندوق النقد الدولي هذه الكتل إلى واحدة تضم أميركا والاتحاد الأوروبي وكتلة افتراضية تضم أستراليا وكندا ونيوزيلندا، وأخرى تضم الصين وروسيا والدول التي وقفت إلى جانب روسيا خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس آذار 2022، بينما ضمت الكتلة الثالثة دولاً تُبدي عدم الانحياز لأي من الطرفين.
ويقارن تحليل للصندوق متوسط معدل نمو التدفقات التجارية بين أعضاء كل كتلة خلال الفترة التي تلت حرب أوكرانيا والسنوات الخمس التي سبقت الحرب.
وتشير البيانات إلى أن نمو تجارة السلع بين الكتلتين الرئيسيتين كان أضعف بشكل ملحوظ منذ بداية الحرب، مقارنة بالتجارة داخل بلدان كل تكتل.
كما تباطأت التجارة بنحو 4 نقاط مئوية بين البلدان غير المنضوية في الكتلة نفسها.
وجاء هذا التشرذم التجاري في ظل ضعف كبير للعلاقات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة منذ بداية التوترات التجارية بينهما في عام 2017 مع ارتفاع الرسوم الجمركية على التجارة بين البلدين.
بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأميركي فإن حصة الصين من واردات السلع الأميركية انخفضت بنحو 8 نقاط مئوية خلال الفترة من 2017 إلى 2023.
وأعادت أميركا جزئياً تعويض هذا الانخفاض من مصادر ودول أخرى مثل المكسيك وفيتنام.
ونتيجة هذه التداعيات التي شهدتها حركة التجارة منذ حرب أوكرانيا زادت مدة سلاسل التوريد مع وضع قيود إضافية على حركة التجارة بين البلاد، وهو ما يعني مكاسب أقل للاقتصاد العالمي.
مكاسب وخسائر للتجارة في الشرق الأوسط
وامتد تأثير حرب أوكرانيا على منطقة الشرق الأوسط فمنذ 2022 تشهد منطقة القوقاز وآسيا الوسطى ارتفاعاً ملحوظاً في النشاط التجاري الإجمالي وتحولاً نحو مصادر تجارية أخرى.
وبحسب بيانات صندوق النقد، فإن واردات منطقة القوقاز وآسيا الوسطى غير الهيدروكربونية ارتفعت بنسب 25 و22 و53 في المئة من الاتحاد الأوروبي وروسيا وأميركا على التوالي.
كما ارتفعت صادراتها غير الهيدروكربونية بنسب 47 و43 و27 في المئة من نفس المناطق على التوالي.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تغيرت أنماط التجارة بشكل رئيسي بين البلدان المصدرة للنفط وصادرات المواد الهيدروكربونية، واستبدل الاتحاد الأوروبي بعض احتياجاته من النفط والغاز التي تزوده بها روسيا، لدول في المنطقة.
تأثير توترات البحر الأحمر وحرب غزة على التجارة
تحظى التجارة في منطقة الشرق الأوسط بنصيب كبير من التجارة العالمية، إذ يمر بين 12 و15 في المئة منها عبر قناة السويس.
ومع بدء حرب غزة في أكتوبر تشرين الأول وتوسع نطاق توترات البحر الأحمر تعطلت التجارة البحرية في المنطقة وانخفضت عبر قناة السويس بأكثر من النصف في الفترة من نوفمبر تشرين الثاني ونهاية فبراير شباط الماضيين.
وتسببت هذه التوترات في ارتفاع حاد في أقساط التأمين البحري، وزادت تكلفة شحن حاوية بطول 40 قدماً من الصين إلى البحر المتوسط من نحو ألف دولار إلى أكثر من 4 آلاف دولار.
وأعيد توجيه التجارة عبر طرق أخرى مثل رأس الرجاء الصالح وطرق برية في بعض الدول مثل السعودية.
وفي ظل ازدياد التوترات سيتطلب الحد من المخاطر التي تحيط بالتجارة العالمية أن تخفّض البلدان الحواجز التجارية بينها وترفع مستوى البنية التحتية وتعزز الأطر التنظيمية.
ووفقاً لبيانات فإن القيود التجارية بين الحدود تتزايد إذ بلغت 3 آلاف قيد في 2023 مقابل 1100 قيد في 2019.