على الرغم من نمو اقتصاد الهند خلال العقد الماضي، فإن سيطرة ثلاثة أسماء من كبار رجال الأعمال والسياسيين على المشهد هناك يضع خامس أقوى اقتصاد في العالم بين شقي الرحى.
فمن ناحية، هناك قطبا الثراء في الهند؛ موكيش أمباني الأغنى في القارة الآسيوية والذي تقدر ثروته الحالية بنحو 116 مليار دولار، و غوتام أداني الذي تبلغ ثروته حتى الآن 84 مليار دولار، ومن ناحية أخرى هناك رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي يتطلع إلى الفوز بالانتخابات العامة لبدء ولايته الثالثة تستمر خمس سنوات جديدة لاستكمال ما أسماه بالنهضة الاقتصادية.
كيف يسيطر هذا الثلاثي على اقتصاد الهند؟
في مارس آذار الماضي، رحبت مدينة جامناغار في غوجارات الواقعة بغرب الهند بنحو 1200 ضيف من أثرياء العالم من بينهم بيل غيتس ومارك زوكربيرغ وإيفانكا ترامب لحضور الحفل الاستباقي لزفاف نجل موكيش أمباني، والذي استمر لمدة ثلاثة أيام متتالية.
لكن أمباني لا يعتبر الوحيد الذي يمكنه التباهي بهذا النفوذ، فهناك مؤسس مجموعة أداني، الذي أذهل العالم بإطاحته بجيف بيزوس لفترة وجيزة من المركز الثاني لأغنى رجل في العالم في عام 2022.
وحول هذه الهيمنة، قال الخبير الاقتصادي في جامعة ولاية بنسلفانيا، روهيت لامبا، عن أمباني وأداني إنهما رائدا أعمال ناجحان تمكنا من الحفاظ على النمو المطّرد في بيئة سياسية وتجارية نابضة بالحياة لكنها فوضوية بعض الشيء.
وكان المستثمرون يتابعون بشغف قدرة الثنائي على الرهان ببراعة على القطاعات التي أعطتها حكومة مودي الأولوية للتنمية.
تعد ريلاينس إندستريز ومجموعة أداني تكتلات مترامية الأطراف تبلغ قيمة كل منهما أكثر من 200 مليار دولار، مع أعمال تجارية راسخة في قطاعات متباينة من الوقود الأحفوري والطاقة النظيفة إلى وسائل الإعلام والتكنولوجيا.
نتيجة لذلك فإن هؤلاء الرجال الثلاثة -مودي وأمباني وأداني- يلعبون دوراً أساسياً في تشكيل القوة الاقتصادية التي تتطلع إليها الهند في العقود المقبلة، خاصة أنها تسعى لأن تصبح بديلاً للصين لدى المستثمرين الذين يتطلعون إلى تقليل المخاطر في سلاسل التوريد الخاصة بهم.
وفي العاصمة المالية للهند، مومباي، بصمات قطبي الأعمال موجودة في كل مكان، بدءاً من المطار الدولي المزدحم الذي تديره شركة أداني إلى ناطحة السحاب الشخصية لأمباني وعائلته المكونة من 27 طابقاً، والتي يقال إن عملية بنائها تكلفت ملياري دولار.
الرأسمالية في مواجهة عدم المساواة
كثيراً ما يقارن الصحفيون أمباني وأداني بجون دي روكفلر، الذي أصبح أول ملياردير في أميركا خلال العصر الذهبي الذي يشمل 30 عاماً في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر.
وحول هذا الأمر، قال مؤلف كتاب (الملياردير راج) عن أثرياء الهند، جيمس كرابتري، إن الهند تمر الآن بما مرت به أميركا والعديد من الدول سابقاً، مثل تلك الفترة التي مرت بها بريطانيا في عشرينيات القرن التاسع عشر، وكوريا الجنوبية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وحتى الصين في العقد الأول من القرن الحالي.
وأضاف أنه من الطبيعي أن تمر الدول النامية بمثل هذه الفترة من النمو السريع، والتي تعزز الدخل المتراكم والرأسمالية، وعدم المساواة في الوقت ذاته.
ودائماً ما تضع الهوة الواسعة بين نخبة الأعمال في الهند والجموع الفقيرة، أمباني وأداني في مرمى الانتقادات.
خصائص اقتصاد الهند
يتمتع اقتصاد الهند بالعديد من هذه الخصائص، فقد تجاوز المملكة المتحدة خلال العقد الذي قضاه مودي في منصبه، وقفز أربعة مراكز ضمن تصنيف أقوى اقتصادات العالم، بما يقدر بنحو 3.7 تريليون دولار في 2023.
والهند الآن في وضع مريح يسمح لها بالتوسع بمعدل سنوي لا يقل عن 6 في المئة في السنوات القليلة المقبلة، لكن المحللين يقولون إن البلاد يجب أن تستهدف نمواً بنسبة 8 في المئة أو أكثر إذا أرادت أن تصبح ضمن أقوى ثلاثة اقتصادات عالمية خلف الولايات المتحدة والصين بحلول عام 2027.
على الرغم من هذا النمو الاقتصادي فإن البطالة المتزايدة بين الشباب وعدم المساواة يظلّان من المشكلات المستمرة العنيدة، وفي عام 2022 احتلت البلاد المرتبة الـ147 في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للهند نحو 2500 دولار في 2023، بينما وصل إلى 2730 دولاراً في العام الجاري، ويتوقع أن يبلغ 2983 دولاراً بحلول العام المقبل، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
ماذا فعل مودي لتحفيز النمو الاقتصادي؟
لتحفيز النمو، بدأت حكومة مودي تحولاً هائلاً في البنية التحتية من خلال إنفاق المليارات على بناء الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية، وتعزيز الاتصال الرقمي؛ بهدف تحسين التجارة والحياة اليومية.
وبالتالي، أصبح كل من أمباني وأداني حليفاً رئيسياً في هذه المشاريع.
ورث أمباني عن والده شركات في مجال النفط والبتروكيماويات وأنفق المليارات لتحويلها إلى قوة تكنولوجية عملاقة، في أقل من عقد من الزمان، لم يتمكن أمباني من قلب قطاع الاتصالات في الهند فحسب، بل أصبح أيضاً لاعباً رئيسياً في قطاعات مختلفة تشمل الإعلام وحتى البيع بالتجزئة.
من جهته، هناك أداني الذي تحوَّل من طالب ترك دراسته إلى تجارة الألماس، قبل أن يؤسس شركة لتجارة السلع في 1988، لتتطور في ما بعد إلى أداني إنتربريسيز ليميتد، التي تقع في جوهر كل ما تريد الهند تحقيقه، وفقاً لما قالته شركة الوساطة المالية الأميركية كانتور فيتزجيرالد، ومن ثم أصبح صاحب شركات مهمة في قطاعات الموانئ والطاقة والدفاع والفضاء.
ولم يغفل قطبا الأعمال التوجه نحو الطاقة النظيفة، بعد أن شكّلا ثروتهما من الوقود الأحفوري، ليواكبا أهداف الهند المتعلقة بالمناخ أيضاً، الأمر الذي يكشف إصرارهما على المضي قدماً في الهيمنة على روافد الاقتصاد الهندي.
وعلى الرغم من انهيار أسهم شركة أداني وخسارته أكثر من 100 مليار دولار من قيمة شركاته فإن أداني تمكن من العودة بقوة إلى عالم الأعمال، وتمكن من جذب المستثمرين الأجانب من جديد.
هل هناك مجال للمنافسة؟
هذه النجاحات المقترنة بثلاثة رجال في الهند لا تمثل بالضرورة نمواً واعداً، بل يرى البعض أنها استمرار للرأسمالية والمحسوبية، ما يهدد اقتصاد الهند بالوقوع في فخ الاحتكار في نهاية المطاف، إضافة إلى المشكلات التي تعانيها بالفعل مثل أزمة الديون، إذ حذّر صندوق النقد الدولي من إمكانية تجاوز ديون الهند حجم اقتصادها بحلول نهاية العقد، خاصة أنها تنفق مليارات الدولارات سنوياً على التعامل مع الكوارث الطبيعية.
لكن مؤلف (الملياردير راج) حذّر من الهيمنة غير المقيدة لمثل هذه المجموعات الضخمة، التي قد تؤدي إلى خنق المنافسة والابتكار، وتؤدي في النهاية إلى الركود الاقتصادي، لذلك يتعين على الحكومة الجديدة أن تعمل على تشجيع ريادة الأعمال من خلال تسهيل الأمر على الشركات الصغيرة لجمع الأموال، والتخلص من القوانين القديمة، بما في ذلك قواعد الأراضي والعمل، التي يمكن أن تعوق ممارسة الأعمال التجارية.
(ديكشا مادوك- CNN)