تواجه البنوك الأميركية خطر الإغلاق إذ تضغط أسعار الفائدة المرتفعة على هوامش ربحية البنوك ما يجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، تأثراً بنهج الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة لمكافحة معدلات التضخم المرتفعة.
وقبل أيام أعلنت مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، المسؤولة عن تأمين أموال المودعين في البنوك الأميركية، أول حالة إغلاق لبنك في أميركا هذا العام.
وفشل بنك ريبابليك فيرست في ولاية بنسلفانيا في الوفاء بالتزاماته تجاه المودعين، ما دفع المؤسسة إلى إعلان إغلاق البنك نهاية أبريل نيسان الماضي.
وانضم البنك الذي تبلغ أصوله نحو 6 مليارات دولار إلى سلسلة البنوك التي أُغلقت عقب الأزمة التي ألمت بالقطاع المصرفي الأميركي في مارس آذار 2023.
وبلغ عدد البنوك الأميركية الذي أغلقت العام الماضي 5 بنوك بقيمة أصول تزيد على 548.6 مليار دولار، وفقاً لبيانات مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية.
ويعد إجمالي قيمة هذه الأصول أعلى من إجمالي أصول البنوك التي أعلنت إفلاسها في عام الأزمة المالية العالمية 2008 والبالغة 25 بنكاً بإجمالي أصول 373.58 مليار دولار.
فما بين مارس آذار 2022 وسبتمبر أيلول 2023 رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة أكثر من مرة لتستقر عند 5.25 إلى 5.5 في المئة لمكافحة ارتفاع التضخم، وهي أسرع دورة تشديد نقدية منذ الثمانينيات، بعد سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية والظروف المالية السهلة.
أزمة منذ ارتفاع أسعار الفائدة
سلّط انهيار عدد من البنوك الأميركية في مارس آذار 2023 الضوء على عدم استعداد بعض المؤسسات المالية لبيئة أسعار الفائدة المرتفعة بعد فترة طويلة من الأسعار المنخفضة، بحسب ما يقوله صندوق النقد الدولي في تقرير الاستقرار المالي الصادر حديثاً.
وتقول جولي سولار، مسؤولة الائتمان لأميركا الشمالية في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، لـCNN الاقتصادية إن الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة الأميركية يمكن أن يسهم في زيادة إغلاق البنوك.
وتدلل على ذلك بأن عدد البنوك التي تعرضت لخسائر غير محققة من الاستثمار في أدوات الدين مثل السندات وشهادات الإيداع أو أدوات الدين غير المصنفة على أنها أوراق مالية، نحو 260 بنكاً في نهاية مارس آذار 2023 من بين ما يزيد على 4500 بنك في أميركا.
وفي الربع الأول من العام الماضي 2023 دوّت أزمة كبيرة في القطاع المصرفي الأميركي بانهيار بنك سيليكون فالي الذي بلغت أصوله وقتها 209 مليارات دولار، ثم تبعته عدة إغلاقات لبنوك أخرى.
يقول صندوق النقد إن بعض البنوك فشلت في إدارة مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة والسيولة المرتبطة بها بشكل مناسب، مفترضة أن التضخم سيكون مؤقتاً.
لكن هذه الأزمة تعود إلى ما قبل بداية مكافحة التضخم إذ إن البنوك شهدت ارتفاعاً استثنائياً من المدخرات في أعقاب الدعم غير المسبوق الذي تلقاه المودعون خلال أزمة كورونا.
تسببت هذه المدخرات في طفرة في الودائع بالبنوك التي استثمرت جزءاً كبيراً منها في أوراق مالية طويلة الأمد مع مخاطر كبيرة على أسعار الفائدة، لكن مع ارتفاع أسعار الفائدة واجهت البنوك زيادة في تكاليف التمويل وانخفاضاً في القيمة السوقية لممتلكاتها من الأوراق المالية، بحسب صندوق النقد.
وتقول جولي سولار إن هوامش الربح الصافية للبنوك من عملية الإيداع والإقراض انخفضت منذ العام الماضي.
وتتوقع سولار أن تمارس الفائدة المرتفعة ضغوطاً على هامش ربحية البنوك، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض فترة زمنية طويلة.
ويقول صندوق النقد إن المودعين انتقلوا إلى منتجات ذات عائد أعلى مثل صناديق سوق المال، ما أدى إلى تسارع خروج الودائع ومن ثم خسارة البنوك.
ويتماشى هذا مع ما أعلنه بنك ريبابليك فيرست إذ قال إن ارتفاع أسعار الفائدة للحد من التضخم أضرّ بمحفظته العقارية التجارية، والتي تمثل ما يقرب من نصف دفتر قروض البنك كما واجه البنك تحديات مع انخفاض السيولة.
تأخر خفض الفائدة الأميركية يثقل كاهل البنوك
يقول صندوق النقد إنه لا تزال نقاط الضعف في القطاع المصرفي الأميركي قائمة، إذ أدت التحولات في توقعات السوق في ما يتعلق بتوقيت ووتيرة تخفيضات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، في جعل ثقة المستثمرين في القطاع المصرفي غير مستقرة.
وكان جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي -عقب تثبيت أسعار الفائدة مطلع الأسبوع الماضي- قال إن «القرار المقبل بشأن خفض الفائدة سيرتكز على البيانات الاقتصادية التي ستخرج للنور في الفترة المقبلة، ولن نقدم على خفض الفائدة حتى تؤكد لنا البيانات أن التضخم ينخفض نحو هدفنا البالغ 2 في المئة».
وفي أعقاب قرار الفيدرالي، رجح بنك الاستثمار مورغان ستانلي خفض أسعار الفائدة بدءاً من سبتمبر أيلول المقبل، مقارنة بتوقعاته السابقة التي رجّحت يوليو تموز، لكنه أبقى على توقعاته لثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال العام.
لكن بعض المحللين يذهبون إلى أن الفيدرالي الأميركي سيخفض الفائدة مرتين فقط هذا العام.