إدارة الرئيس جو بايدن اتخذت خطوات جديدة لفرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الصينية بهدف حماية الصناعات الأميركية وتقليل الاعتماد على الواردات الصينية.

هذه الرسوم تؤدي إلى تأثيرات واسعة تتجاوز الاقتصاد الأميركي، وتمتد إلى الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

يقول الباحث جيفري ريفز في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية إن توسيع إدارة الرئيس جو بايدن معدلات الرسوم الجمركية على السلع المصنعة في الصين يهدد بإضعاف «منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة» التي تعهد بالدفاع عنها.

ومن خلال تطبيق معدلات ضرائب تصل إلى 100 في المئة على السلع الصينية، لا يمنع فريق بايدن فقط الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، بل يعطل أيضاً التجارة الإقليمية وشبكات التوريد، بما في ذلك تلك التي تشمل حلفاء وشركاء رئيسيين للولايات المتحدة.

وأضاف ريفز أنه بذلك تقوض السياسات الصناعية للبيت الأبيض التكامل الاقتصادي والنمو المشترك في آسيا، الذي يعتبر دون مبالغة أكبر مساهم في السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ منذ نهاية الحرب الباردة، ولهذا الأمر تداعيات عميقة على المشاركة الاستراتيجية طويلة الأمد للولايات المتحدة في تلك المنطقة.

ويكمن التناقض الأساسي في سياسات الإدارة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في سلاسل القيمة في المنطقة، والتي تعد الأكثر كثافة في العالم، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا الفائقة، وفي حين انخفضت سلاسل القيمة في أوروبا وأميركا الشمالية في السنوات الأخيرة، زادت تلك الموجودة في «مصنع آسيا» بشكل ملحوظ بسبب مركزية الصين الاقتصادية في المنطقة.

تداعيات الحد من الصادرات الصينية

لذلك، فإن أي جهد للحد من الصادرات الصينية سيؤثر حتماً على دول المنطقة الأخرى، خاصة أن الصين أعطت الأولوية لتوسيع سلاسل القيمة والتكامل الاقتصادي في جميع أنحاء آسيا.

على سبيل المثال، ستؤثر الرسوم الجمركية على البطاريات ومكوناتها والمعادن المهمة على دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا وتايلاند، وتم دمج هذه البلدان في سلاسل القيمة التي تتمحور حول الصين وستواجه ارتفاع تكاليف الإنتاج واضطرابات سلسلة التوريد نتيجة لذلك.

ويرى ريفز أن الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية ستؤثر بشكل مماثل على اليابان وكوريا الجنوبية، وهما حليفان إقليميان رئيسيان، حيث ستؤثر تكاليف الإنتاج والتوريد على شركات السيارات مثل هوندا وهيونداي التي تعتمد على قطع الغيار من الصين، وبالمثل من المحتمل أن تؤدي الرسوم الجمركية الجديدة على الخلايا الشمسية الصينية إلى اضطرابات في سلاسل التوريد لدول واقتصادات مثل الهند وتايوان، التي تعتمد على التجارة مع الصين في سلاسل التوريد الخاصة بالطاقة الشمسية والخضراء.

ومن المرجح أن تعاني فيتنام من آثار ثانوية سلبية أكثر من أي دولة آسيوية أخرى نتيجة القيود التجارية الجديدة، وبعد أن برزت كوجهة رئيسية ضمن استراتيجية «الصين زائد واحد»، ستعاني فيتنام من زيادة تكاليف الإنتاج واضطرابات سلسلة التوريد وتحويل التجارة وخسائر السوق والبطالة وسحب الاستثمار المحتمل حيث لا تزال تعتمد بشكل كبير على الموردين الصينيين لقاعدتها التصنيعية.

هذه الآثار السلبية على فيتنام لها أهمية خاصة بالنسبة للسياسة الخارجية والأمنية الأميركية، حيث عملت الإدارات الأميركية المتعاقبة على تعزيز العلاقات الوثيقة مع هانوي كنوع من التوازن ضد النفوذ الإقليمي الصيني، وإذا رأت القيادة الفيتنامية أن الولايات المتحدة تشكل عقبة أمام تنميتها الصناعية والتصنيعية، فمن المحتمل أن تتدهور العلاقات الثنائية بين البلدين.

تأثير رسوم بايدن على منطقة المحيطين

يقول ريفز إنه بينما تبرر إدارة بايدن رسومها الجديدة لأسباب تتعلق بالأمن القومي، يبدو هذا المنطق أجوفَ عبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخاصة في جنوب شرق آسيا، والتي تعد بمثابة القلب النابض لاستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة.

وتقاوم الدول الآسيوية سياسات الولايات المتحدة التي تعمل على إضفاء الطابع الأمني على التجارة والاستثمارات الإقليمية، لأنها ترى أن مثل هذه السياسات تتعارض مع مصالحها الأمنية الخاصة، فالدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا، على سبيل المثال، تعطي الأولوية للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والنمو باعتبار أن ذلك هو شاغلها الأمني الرئيسي، وفقاً لاستطلاعات الرأي الإقليمية، وحيثما تقوض سياسات الولايات المتحدة التكامل الاقتصادي الإقليمي وأمن الطاقة والأمن الغذائي والتوظيف، ستزداد معارضة الدول الآسيوية لمثل هذه السياسات، كما رأينا في حالة الدعم الأميركي لأوكرانيا، بحسب ريفز.

ويرى ريفز أن رسوم بايدن الجديدة تعقد، إن لم تكن تقوض تماماً، السرد الاستراتيجي الأميركي في آسيا، والذي يقوم على الحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ «حرة ومفتوحة ومتصلة ومزدهرة وآمنة ومرنة»، ومن الأمور المحورية في هذه الرؤية، على النحو المبين في استراتيجية الأمن القومي لعام 2022 واستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ لعام 2022، التزام الولايات المتحدة بدعم النظام القائم على القواعد في المنطقة لضمان استقرارها وأمنها.

ويؤكد ريفز أنه بدلاً من العمل بما يتماشى مع القواعد ذاتها التي تم نشرها، بما في ذلك تلك التي تمت الدعوة إليها من خلال الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، اختار بايدن اتجاهاً سياسياً يعزز التصورات الإقليمية للنفاق الأميركي، حيث تتجاهل واشنطن القواعد والمعايير والقوانين عندما يناسب ذلك غرضها الاستراتيجي، ويضيف أن الشكوك الإقليمية بشأن استعداد الولايات المتحدة للالتزام بالقواعد تضعف الرسائل الأميركية حول القانون الدولي وحقوق الإنسان والإكراه الاقتصادي للصين، وهي عناصر رئيسية في السرد الدبلوماسي الأميركي في آسيا.

ومهما كانت المزايا الاستراتيجية التي يأمل بايدن أن توفرها الرسوم للولايات المتحدة في آسيا، فإن هذه العيوب الاستراتيجية تفوقها، لا سيما فيما يتعلق بسمعتها ومكانتها بشكل عام. وتحولت المشاعر الإقليمية بالفعل إلى حد كبير ضد واشنطن، حيث تفضل المزيد من الدول الآسيوية الصين كشريك مفضل لها، إن الشعور بأن بايدن ينفذ بشكل أساسي استراتيجية إقليمية من نوع «أميركا أولاً» سيزيد بلا شك من توتر الدول الآسيوية بشأن فكرة القيادة الأميركية ومصداقيتها.

وينتهي ريفز إلى أن إدارة بايدن قررت على ما يبدو أنه يجب أن تصبح أشبه بالصين للتنافس بفعالية معها، لا سيما من خلال الخلط بين الاستراتيجيات الصناعية والأمنية الأميركية، وبقيامها بذلك فإنها تخاطر بأن تنظر إليها الدول الآسيوية على أنها تختلف قليلاً عن بكين في النية، وإن كانت أقل فعالية في التطبيق، إن إعادة تقويم صورة أميركا في آسيا من شأنها أن تكون كارثية على مصالحها الاستراتيجية في الأمد البعيد، ومن الواضح أن البيت الأبيض لديه بعض القرارات الصعبة التي يتعين عليه اتخاذها.