لا تزال أكبر منطقة تجارة حرة عاملة في العالم لقارة يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة حلماً بعيد المنال عن القارة السمراء، نتيجة العديد من العقبات التي تقف أمام تطبيق فعلي لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

قبل أكثر من أسبوع، مرّت خمس سنوات على دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) حيز التنفيذ في 30 مايو 2019 عندما وافقت 24 دولة على معاهدتها، وفي حين أن التجارة لم تبدأ رسمياً بموجب إطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلا في يناير كانون الثاني 2021، فإنّه يتم تنفيذها ببطء على مراحل.

ونظراً للتعقيد والوقت الذي تستغرقه المفاوضات التجارية، فإن حقيقة موافقة 54 دولة من أصل 55 دولة عضو في الاتحاد الإفريقي على منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية أمر يستحق الثناء، لكن البيانات المتعلقة بالتجارة بين البلدان الإفريقية تظهر أن الطريق إلى العمليات الكاملة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وأن فوائدها مثل تعزيز التكامل الإقليمي والاستثمار الأجنبي المباشر في القارة، ستكون طويلة وصعبة.

بالنسبة لـ11 دولة إفريقية كبيرة تتوافر فيها البيانات، بلغت قيمة التجارة البينية الإفريقية 85.3 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يمثل 11.8% فقط من إجمالي التجارة الإفريقية، بانخفاض عن حصة 13.2% في عام 2019، وفقاً للأرقام من تريد داتا مونيتور.

وبشكل عام، انخفضت التجارة البينية الإفريقية كحصة من التجارة العالمية من 14.5% في عام 2021 إلى 13.7% في عام 2022، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.

وخلال الفترة نفسها، انخفضت أيضاً الحصة العالمية من الصادرات والواردات بين البلدان الإفريقية.

يقول مركز التجارة الدولية، وهو وكالة متعددة الأطراف تابعة للأمم المتحدة مكرسة لدعم النمو الاقتصادي الذي تقوده التجارة في البلدان النامية في تصريحات لـ«إف دي آي» إنه «لا يزال يتعين رؤية التأثير الكامل لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، حيث كانت البلدان الإفريقية تتقدم بحذر في تنفيذها».

تم إطلاق مرحلة تجريبية من منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية في أكتوبر 2022 لثمانية دول -الكاميرون ومصر وغانا وكينيا وموريشيوس ورواندا وتنزانيا وتونس- و96 منتجاً، لكن الدول الإفريقية التزمت حتى الآن بإلغاء التعريفات الجمركية على 90% فقط من المنتجات، ولم يتم بعد اعتماد هذه الالتزامات في جداول التعريفات الوطنية، كما لا تزال الخدمات والتجارة الرقمية معلقة.

العقبات الخمسة

وفي ما يلي نوضح العقبات الخمس الرئيسية التي لم تتم إزالتها بعد، وتقف أمام نجاح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية:

دول لم تُصدِق بعد على الاتفاقية

صدَّقت 47 دولة من أصل 54 دولة موقعة على منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية على الاتفاقية حتى الآن، وهناك 7 دول لم تصدق بعد، وهي بنين وليبيريا وليبيا ومدغشقر والصومال وجنوب السودان والسودان.

وتعد إريتريا هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي لم توافق على اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

«حتى مع وجود اتفاقيات مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، ما زلنا في حالة مفاوضات دائمة بين أكثر من 50 دولة عضو، الأمر الذي يتطلب الإجماع»، توضح ماري ويلك، مديرة شركة Africa Practice الاستشارية.

والتي سبق لها أن قدمت المشورة بشأن المفاوضات التجارية في الجنوب الإفريقي «في نهاية المطاف، هناك أكثر من 50 مصلحة اقتصادية ثنائية يتعين حلها».

التفاوتات بين قدرات البلدان

ويعني ذلك اختلاف مستويات التنمية الاقتصادية والصناعة أن بعض البلدان لديها قدرات أقل على تنفيذ وإنفاذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، لا يعمل التنفيذ المحلي لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بكامل طاقته حالياً إلا في أقل من 10 دول، وفقاً لمركز التجارة الدولية.

وتشكل المفاوضات المعلقة بشأن قواعد المنشأ اللازمة لرفع الرسوم الجمركية، والتي تشمل تلك المفروضة على المنتجات الحساسة مثل السيارات والمنسوجات، نقطة خلاف رئيسية أخرى.

كيفية دمج المجتمعات الاقتصادية الإفريقية

هناك عقبة أخرى تتمثل في الحاجة إلى تنسيق المجموعات الاقتصادية الإقليمية الثماني، التي تضم الدول الإفريقية في أجزاء مختلفة من القارة.

تقول دوروثي تيمبو، نائبة المدير التنفيذي لمركز التجارة الدولية والمفاوضة التجارية السابقة لزامبيا، إن المجموعات الاقتصادية الإقليمية يُنظر إليها على أنها «لَبِنات البناء للدخول في منطقة تجارة حرة قارية إفريقية»، لكن عملية تنسيق القواعد في ما بينها أثبتت أنها صعبة، إذ إن بعض المجموعات الاقتصادية الإقليمية، مثل مجموعة شرق إفريقيا، أكثر نضجاً وتكاملاً من المجموعات الاقتصادية الإقليمية الأخرى، وفقاً لـfDi.

عدم توفر التمويل للشركات التجارية

العقبة الرابعة أمام منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية هي تلك التي يتم الاستشهاد بها بشكل شائع في جميع أنحاء إفريقيا؛ ونظراً لتزايد المخاطر المتصورة، فإن العديد من الشركات الإفريقية تكافح من أجل الحصول على التمويل.

الفجوة في التمويل التجاري، حيث يضمن البنك قانوناً أن بائع البضائع سيحصل على مدفوعات من المشتري، تقدر بنحو 81 مليار دولار سنوياً، وفقاً لبنك BACB، وهو بنك لتمويل التجارة.

وتشير بعض التقديرات إلى أن فجوة التمويل التجاري في إفريقيا تصل إلى 120 مليار دولار سنوياً.

تقول تيمبو «كل وفد تجاري إفريقي نتحدث إليه لديه هذه القضية مطروحة على الطاولة»، التي تجادل بأن المزيد من الوصول إلى رأس المال من شأنه أن يحسن قدرة الشركات على الاستثمار في نموها وتجارتها عبر الحدود.

عدم كفاية البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية

العقبة الرئيسية الأخيرة أمام نجاح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية هي عدم كفاية البنية التحتية اللوجستية مثل الطرق والموانئ والمستودعات، ما يجعل التجارة في إفريقيا صعبة.

يصنف مؤشر الأداء اللوجستي للبنك الدولي لعام 2023 العديد من البلدان الإفريقية في مرتبة منخفضة بسبب عوامل مثل العمليات الجمركية، وجودة تتبع البضائع وتعقبها، والوقت المستغرق للشحنات الدولية.

ويخلص جون ميلر، كبير المحللين الاقتصاديين في منظمة مراقبة بيانات التجارة، إلى أن الجهود المبذولة لتعزيز التجارة البينية الإفريقية من خلال منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية «لا تقل جودة عن الخدمات اللوجستية والبنية التحتية والصحة التجارية للشركات»؛ سوف يستغرق إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة عاملة في العالم سنوات عديدة أخرى.