تعاني قارة إفريقيا من عجز متزايد في الميزان التجاري للأخشاب رغم وفرة الغابات في دول وسط وجنوب وغرب القارة، ما ينذر بأهمية التحرك لوقف نزيف هذه التجارة، ويسلط الضوء على حجم الفساد الذي تتعرض له.

ويبلغ عجز الميزان التجاري للأخشاب والمنتجات الخشبية في إفريقيا نحو 65.6 مليار دولار، وفقاً لتقرير المركز الإفريقي لإدارة الموارد الطبيعية والاستثمار الصادر في مارس آذار 2024، وهو تحول مفاجئ بعدما كانت القارة تسجل فوائض تجارية في الفترة بين عام 1992 و2008.

وبداية من عام 2009 بدأ الميزان التجاري للأخشاب الإفريقية في تسجيل انخفاضات قوية، حتى تجاوز إجمالي العجز 65 مليار دولار، وفقاً للتقرير، وهو يشير إلى أن البلدان الإفريقية أصبحت تنفق على استيراد المنتجات الخشبية أكثر بكثير مما تحصل عليه من تصديرها.

القارة الغنية الفقيرة

تشتهر إفريقيا بمواردها الطبيعية الغنية والمتنوعة، وتلعب المساحات الواسعة من الغابات بدءاً من الغابات الاستوائية المطيرة إلى السافانا والغابات في الشرق والجنوب، دوراً مهماً في التنمية الاقتصادية، إذ برزت العديد من الدول كمصدرين مهمين للأخشاب، ما أدى إلى تعزيز اقتصاداتها وتغيير السوق الدولية.

وفيما يتعلق بالانفتاح التجاري على قطاع الغابات، تأتي الكاميرون وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية والغابون وأنغولا وغانا في المراكز العشرة الأولى، وفقاً للمركز الإفريقي.

على سبيل المثال صدرت الكاميرون، التي تغطي الغابات أكثر من 60 في المئة من مساحة أراضيها، أكثر من 1.3 مليون متر مكعب من الأخشاب في عام 2023، وحققت إيرادات تبلغ نحو 650 مليون دولار.

وتأتي الكاميرون في المركز الثاني في حجم الصادرات، بحسب شركة الأخشاب K-Timber، بعد الغابون التي صدرت نحو 2.2 مليون متر مكعب من الأخشاب بقيمة تزيد على 800 مليون دولار في عام 2023، تليهما في المركز الثالث الكونغو الديمقراطية مع تصدير نحو 900 ألف متر مكعب بقيمة 300 مليون دولار في العام ذاته.

ومع ذلك فإن دول القارة السمراء تواجه نقصاً في الاستثمارات من القطاعين الخاص والعام، مع ضعف تمويل تجارة الأخشاب، وضعف البنية التحتية، وفي هذا الصدد يقول بنك التنمية الإفريقي إن التنفيذ الناجح لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية سيوفر الفرصة الرئيسية لتحسين تجارة الأخشاب.

التهديد الأكبر.. التجارة غير الشرعية

يعاني قطاع الأخشاب في العديد من الدول الإفريقية بسبب انتشار التجارة غير الشرعية، إذ تُنقل كميات كبيرة من الأخشاب من مختلف الأنواع، ولا سيما خشب الورد، عبر الحدود ليلاً إلى الأسواق الآسيوية، ما يؤثر سلباً على مصير التجارة الشرعية، فضلاً عن تهديده مساحات الغابات وتفاقم ظاهرة التصحر والاستقرار المالي للاقتصادات الوطنية.

وانطلق قطع الأشجار غير القانوني بشكل جدي في غرب إفريقيا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع وصول المتاجرين الصينيين، الذين ظهروا كرجال أعمال شرعيين، بحثاً عن مصادر جديدة للأخشاب الثمينة في محاولة لخدمة الطلب القوي من أسواقهم المحلية.

ورغم القوانين الدولية التي تجرم هذه الممارسة، فإن قطع الأشجار غير القانوني عبر الحدود لا يزال يسيطر على بلدان غرب إفريقيا، والدول الأكثر تضرراً هي مالي والسنغال ونيجيريا وغينيا بيساو وساحل العاج وغامبيا وغانا، كما يسمح الفقر والفساد في المنطقة لهذه التجارة بالازدهار متجاهلة الجهود المبذولة لمكافحتهما.

على سبيل المثال، كشفت وكالة التحقيقات البيئية، أن الأشجار تقطع بشكل غير قانوني في العديد من مجتمعات الغابات في منطقة أوتي في غانا، ورغم حظر تصديره، استوردت الصين الخشب من نحو ستة ملايين شجرة من خشب الورد الغاني منذ عام 2012.

وتعتبر الصين المستورد الأكبر للأخشاب الإفريقية، مع حصة بلغت 70.9 في المئة من إجمالي الصادرات بين عامي 1992 و2020، تليها فيتنام مع حصة بلغت 8.9 في المئة، ثم الهند التي استحوذت على 1.4 في المئة من إجمالي صادرات الأخشاب الإفريقية.

كيف تتصدى القارة لهذه الممارسات؟

طورت بعض البلدان، بما في ذلك غانا، أنظمة تحديد الأخشاب لمساعدة أجهزة إنفاذ القانون في تحديد الأنواع المقيدة أو المحظورة التي قد تكون مخبأة بكميات كبيرة من جذوع الأشجار أو الأخشاب المنشورة.

ومع ذلك، لا تزال تجارة الأخشاب غير القانونية مستمرة، إذ يستخدم المتاجرون أساليب جديدة مثل تحويل جذوع الأشجار إلى أخشاب منشورة، وهو ما يسهل إخفاءها عن هيئات إنفاذ القانون.

وفي هذا الصدد، دعا تقرير المركز الإفريقي لإدارة الموارد الطبيعية والاستثمار حكومات الدول الإفريقية إلى التعاون من أجل تنفيذ سياسات حقيقية مدعومة بالمساعدات الفنية والمالية من المجموعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الإفريقي لتطوير صناعة الأخشاب في القارة والقضاء على التجارة غير الشرعية.

ويشير التقرير إلى أن نظرة عامة على ديناميكية ونماذج تجارة الأخشاب في إفريقيا يمكن أن تساعد صناع القرار السياسي على فهم التأثير الاقتصادي لهذه الصناعة بشكل أفضل، وهو ما يمكن أن يدعم خلق فرص العمل والثروة.

وقال التقرير «ينبغي لبنوك التنمية المتعددة الأطراف والجهات المانحة الأخرى دعم الاستثمارات الرامية إلى توسيع قدرات معالجة المنتجات الخشبية في البلدان المنتجة الرئيسية ودعم إنشاء نظام معلومات تسويقية للمنتجات الخشبية في جميع أنحاء القارة».