تراجعت حصة أوروبا من التجارة العالمية خلال العامين الماضيين، مع الارتفاع الكبير في تكلفة واردات الطاقة في أعقاب الحرب الروسية وزيادة المنافسة بين الصين وأميركا، ما يضغط على حصة أوروبا.
ويقول تقرير لستاندرد آند بورز غلوبال، إن استراتيجية أوروبا التي نفذتها على مدار العقود الماضية من انفتاح متزايد على التجارة وإنشاء السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي والتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التعريفات الجمركية، تعاني من إجهاد.
وانخفض الفائض التجاري للاتحاد الأوروبي عند 3.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023، بمقدار نقطة مئوية كاملة تقريبا منذ أن بلغ ذروته عام 2015، إلا أنه لا يزال كبيراً.
وتباطأ نمو التجارة العالمية إلى 2 في المئة سنوياً في المتوسط منذ الوباء، منخفضاً من 5.7 في المئة على مدى السنوات الـ 25 الماضية.
ويُعزى هذا التباطؤ إلى حد كبير لجائحة كورونا والتطورات الجيوسياسية التي قيدت توسع سلاسل القيمة والتجارة في السلع الوسيطة، ومع ذلك، فإن أوروبا تخسر أيضاً حصتها في السوق، لصالح الصين في المقام الأول في تجارة البضائع الدولية، والتي تمثل حصة الأسد من التجارة العالمية.
ويُعزى الانخفاض الأخير في حصة أوروبا في التجارة العالمية، جزئياً إلى الارتفاع الكبير في تكلفة واردات الطاقة في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022.
وكانت أوروبا في ذلك الوقت، تعتمد بشكلٍ كبير على واردات الطاقة من روسيا، وأدّى الاضطراب الناتج عن ذلك إلى زيادة قيمة واردات الطاقة إلى أوروبا بنسبة 4 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022.
ويؤدي هذا إلى تدهور غير مسبوق في معدلات التبادل التجاري وانحدار القدرة التنافسية للصادرات، ودفعت صدمة الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل صناعات المعادن والمواد الكيميائية والورق، وخاصة في ألمانيا وهولندا وبعض دول أوروبا الشرقية، إلى نقل إنتاجها في المقام الأول إلى الصين في حالة الصناعة الكيميائية الألمانية، وفقاً لستاندرد آند بورز غلوبال.
وانخفض إنتاج الصناعات التحويلية الأوروبية بنسبة 5 نقاط مئوية، لكن التراجع انتهى في أواخر عام 2023 عندما عادت تكاليف الطاقة إلى طبيعتها بعد الجهود الأوروبية الكبيرة لاستبدال الطاقة الروسية الرخيصة.
واكتمل التعافي في معدلات التجارة تقريباً، لكن القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة وخاصة صناعة المعادن، أثبتت بطئها في استئناف الإنتاج في أوروبا، لكن حصة أوروبا في التجارة العالمية لم تتعافَ بشكلٍ كامل.
ويقول تقرير لستاندرد آند بورز غلوبال إن إصلاح سوق الطاقة هو هدف استراتيجي للمفوضية الأوروبية في الفترة المقبلة.
أميركا والصين تضغطان على التجارة في أوروبا
ولا تعد تكلفة الطاقة هي المشكلة الأكبر حالياً للتجارة في أوروبا، إذ يتعرض موقف القارة العجوز في التجارة العالمية للتحدي من قبل أكبر شريكين تجاريين لها وهي أميركا والصين.
وفي عام 2023، حقق الاتحاد الأوروبي فائضاً تجارياً قدره 113 مليار يورو مع الولايات المتحدة وعجزاً تجارياً قدره 187 مليار يورو مع الصين.
وهناك خطر من أن ترفع الولايات المتحدة التعريفات الجمركية على السلع المستوردة، اعتماداً على نتائج الانتخابات الأميركية.
من ناحية أخرى، تواصل الصين انتهاج سياسة تهدف إلى تعزيز قيمتها المضافة في القطاعات التي تفوقت فيها أوروبا تقليدياً، وبدأت الصين مؤخراً تحقيقاً في بعض الصادرات الأوروبية رداً على الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على واردات السيارات الكهربائية من الصين.
وتمثّل صادرات السلع إلى الولايات المتحدة حوالي 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، في حين تبلغ الصادرات إلى الصين نحو 1.5 في المئة ونحو نصف هذه التجارة هي قيمة أوروبية مضافة.
وتتراوح الرسوم الجمركية الأميركية على السلع الأوروبية من 1.2 في المئة على السلع الرأسمالية، وترتفع إلى 5 في المئة على السلع الاستهلاكية.
وكان للزيادة السابقة في التعريفات الأميركية عام 2019، تأثير ضئيل على الاقتصاد الأوروبي، حيث أثّرت في عدد قليل جداً من القطاعات وكانت مؤقتة.
لكن الخطر أكبر إذا فرضت الإدارة الأميركية المقبلة زيادة شاملة في التعريفات الجمركية بنسبة 10 في المئة على الواردات من أوروبا.
وتقدر ستاندرد آند بورز غلوبال إن هذا يمكن أن يخفّض نحو 0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي و0.4 في المئة من إجمالي الصادرات.
ومن المتوقع أن يكون التأثير على صادرات الاتحاد الأوروبي أكبر إذا أثر ارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية على الثقة وهز الأسواق المالية.
ويمكن تخفيف التأثيرات على أوروبا في حال إذ فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية أكبر على الواردات من مناطق أخرى، أو إذ أعاد المصدرون الأوروبيون تنظيم طرق التجارة لتجاوز التعريفات الجديدة.