بداية من الحرب الباردة في القرن العشرين ووصولاً إلى الصدام الجيوسياسي بين أميركا وروسيا و الصين، مثلت سلاسل التوريد وسيلة قوية لوكالات المخابرات للتجسس من أجل جمع معلومات قيمة عن الخصم، أو تعطيل قطاعات حيوية من اقتصاده.
ولأهمية حماية سلاسل التوريد، يعمل المسؤولون الغربيون على تقييم نقاط الضعف الاستراتيجية والتكتيكية في السلاسل الخاصة بهم.
أميركا تحمي سلاسل التوريد لديها بكل قوتها
تسعى الولايات المتحدة لحماية سلاسل لتوريد بأكثر من طريقة، فقامت وزارة الدفاع بإنتاج أول استراتيجية صناعية دفاعية لها على الإطلاق.
كما أنشأ البيت الأبيض مجلساً لمرونة سلاسل التوريد لتنسيق وإدارة العديد من مبادرات سلاسل التوريد المتباينة عبر حكومة الولايات المتحدة.
وتوجه الولايات المتحدة مليارات الدولارات نحو تطوير النظم البيئية للتصنيع التكنولوجي العالي ومعالجة المواد الحرجة لدعم الإلكترونيات الدقيقة محلياً، على سبيل المثال، إنتل في أريزونا، وفي البلدان الشريكة مثل المكسيك والفلبين وغيرهما.
كيف استطاعت أميركا التخطيط لحماية سلاسل التوريد؟
استفادت الولايات المتحدة من دروس تاريخية قدمتها لها الصين على طبق من ذهب لمعرفة كيفية حماية سلاسل التوريد لديها بسبب تاريخ الصين في تخريب سلاسل التوريد لأعدائها.
إذ لم يكن لدى الصين قناعة بفصل الأمن الوطني عن الأمن الاقتصادي، فكان نهجها في التقدم الوطني ليس نهجاً حكومياً بالكامل، بل نهجاً يشمل المجتمع بأكمله، على عكس الاقتصادات الغربية الليبرالية، التي تتبنى فكرة فصل الأمن الوطني والاقتصادي.
تاريخ حرب تجسس سلال التوريد
في العصور الوسطى، كانت الجيوش تستخدم جواسيس يعملون كتجار لاكتشاف ما يشتريه الخصوم، لتعطيله، أو يضربون شريان الحياة لمجتمع الأعداء ويسممون إمدادات المياه لهم.
وإذا ما نظرنا إلى القرن العشرين، عندما اكتشفت الاستخبارات البريطانية أن ألمانيا النازية تستخدم شركات تجارية واجهة للتجسس، حاولت بريطانيا التلاعب بالتكنولوجيا التي كان معروفاً أن برلين تستهدفها، لكن يبدو أنها لم تنجح في المحاولات.
ولكن بعد الحرب، بدأ استخدام سلاسل التوريد لجمع المعلومات الاستخباراتية والتخريب.
ماذا عن الحرب الباردة؟
في أوائل الحرب الباردة، ابتكرت وكالة المخابرات الأميركية عملية بارعة لجمع الاتصالات الأجنبية من خلال التلاعب بتصنيعها وشرائها، وتواطأت سراً مع شركة سويسرية، شركة «كريبتو إيه جي»، لبيع آلات تشفير مزورة إلى دول طرف ثالث.
واشترت هذه الدول آلات كريبتو معتقدة أنها تشتري أفضل تكنولوجيا سويسرية محايدة يمكن شراؤها بالمال، وسمحت عملية الوكالة، التي أطلق عليها اسم روبيكون ولم يكشف عنها إلا في عام 2020، للحكومة الأميركية بقراءة الاتصالات الأجنبية مثل كتاب مفتوح.
وفي أواخر الحرب الباردة، اكتسبت عمليات التجسس وتخريب سلاسل التوريد بعداً جديداً، فكانت أجهزة الاستخبارات السوفييتية، الكي جي بي (KGB) والجي آر يو (GRU)، تستهدف الدول الغربية لسرقة أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخباراتية العلمية والتقنية من أجل تحقيق الاستراتيجية الأيديولوجية الكبرى للاتحاد السوفييتي ضد الإمبريالية الغربية، وخاصة الولايات المتحدة.
وقد سمح ذوبان الجليد في العلاقات بين الشرق والغرب في عهد ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر، المعروف باسم الانفراج، بفتح العلاقات التجارية بين الكتلة السوفييتية والولايات المتحدة.
في حين قيدت حكومة الولايات المتحدة بيع التقنيات ذات الاستخدام المزدوج خلف الستار الحديدي، استخدمت الاستخبارات السوفييتية العلاقات المفتوحة بينها وبين أميركا بإنشاء باستخدام شركات استخدمتها كواجهة تجارية لسرقة الأسرار العسكرية والصناعية الغربية.
وفي عام 1982، تم القبض على عميل سوفييتي داخل الأجهزة العلمية والتقنية التابعة للكيه جي بي (KGB).