تشهد سوق الطاقة العالمية تغيرات ملحوظة خلال الآونة الأخيرة، وتأتي مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي المسال في قطر على رأس القائمة، والتي يمكنها تغيير المشهد في السوق بالكامل.
أعلن وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لـ« قطر للطاقة»، سعد الكعبي، هذا الأسبوع، أن بلاده تعتزم زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال بنسبة 85 في المئة على الإنتاج الحالي بحلول عام 2030.
وتأتي الزيادة في ظل اكتشاف كميات ضخمة من الغاز في حقل الشمال المشترك مع إيران، والذي يُطلق عليه حقل «بارس الشمالي».
ونظراً لأن قطر تعتبر ثاني أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، فإن هذه الاكتشافات الأخيرة من شأنها تعزيز مكانة الدولة كأبرز مورد غاز طبيعي لآسيا وأوروبا، خاصة في ظل تزايد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، بعد التوترات الجيوسياسية التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية، والأخرى التي طالت الشرق الأوسط.
مشروع حقل الشمال الغربي
أعلنت «قطر للطاقة» عن تطوير مشروع «حقل الشمال الغربي» بطاقة إنتاجية سنوية تقدر بنحو 16 مليون طن، والذي سيرفع الطاقة الإنتاجية لدولة قطر من الغاز الطبيعي المسال إلى 142 مليون طن سنوياً قبل نهاية هذا العقد، وهو ما يمثل زيادة بنحو 85% على مستويات الإنتاج الحالية البالغة 77 مليون طن متري سنوياً.
وبحسب بيان الشركة على موقعها الرسمي، كشفت الدراسات أن حقل الشمال يحتوي على كميات غاز إضافية ضخمة تقدر بنحو 240 تريليون قدم مكعبة، ما يرفع احتياطي الغاز في دولة قطر من 1,760 إلى 2,000 تريليون قدم مكعبة.
كما يساعد هذا الاكتشاف على زيادة كميات المكثفات من 70 إلى 80 مليار برميل، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الغاز البترولي المسال والإيثان وغاز الهيليوم.
ويضم المشروع ستة خطوط إنتاج عملاقة، أربعة منها في مشروع توسعة حقل الشمال الشرقي، واثنان في مشروع توسعة حقل الشمال الجنوبي.
ومن المتوقع أن ينتج المشروع 6500 طن يومياً من غاز الإيثان و200 ألف برميل من غاز البترول المسال، إضافة إلى 450 ألف برميل يومياً من المكثفات، بالإضافة لكميات كبيرة من غاز الهيليوم والكبريت النقي.
وأوضحت قطر للطاقة أن شركاءها في المشروع هم توتال إنيرجيز، وكونوكو فيليبس، وإكسون موبيل، و إيني وشل، وسينوبك، وسي.إن.بي.سي.
الموقع الاستراتيجي لقطر
وتتمتع قطر بموقع استراتيجي ساعدها في تحقيق مكانة ريادية في السوق العالمية للغاز المسال.
وفي تصريحات خاصة لـ«CNN الاقتصادية»، أوضح نائب رئيس هيئة البترول المصري، مدحت يوسف، أن قطر من الدول الكبرى من حيث إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال على مستوى الإمدادات المتجهة شرقاً مثل تلك الموجهة لليابان وكوريا والصين.
كما تعتبر صادرات الغاز المسال القطري المتجهة غرباً لأوروبا وتركيا -عبر قناة السويس المصرية- من الصادرات التي تعوّل عليها القارة الأوروبية بشكل كبير، بهدف خلق التوازن الكمي والسعري للغاز الطبيعي المسال في أوروبا.
وتأتي الصين والهند وكوريا الجنوبية وباكستان على رأس قائمة أكبر مستوردي الغاز الطبيعي من قطر في عام 2023، بحسب وكالة إس آند بي غلوبال ماركتس إنسايتس.
البنية التحتية القوية تتغلب على التوترات الجيوسياسية
لم تتأثر قطر بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة بفضل البنية التحتية القوية التي تتمتع بها، بفضل وجود بدائل لممر باب المندب، خاصة أن البحر الأحمر يمر به ما لا يزيد على سبعة ملايين برميل يومياً من استهلاك العالم من النفط، والبالغ 100 مليون برميل يومياً.
كما أنها كانت ضمن الدول التي حوّلت مسار النقل إلى رأس الرجاء الصالح رغم زيادة تكلفته، خاصةً للدول الأوروبية التي تعاني من تعطل إمدادات الغاز الروسي.
لكن أثر التوترات ظهر بشكل أكبر على الموانئ غير الواقعة على مياه الخليج العربي مثل مينائي جدة والعقبة، كما ظهر بصورة واضحة على قناة السويس التي تراجعت إيراداتها بنسبة تصل إلى 70 في المئة؛ ما جعل مصر من أكثر الدول المتضررة من هذه التوترات، بحسب يوسف.
اشتعال المنافسة مع أميركا
يقول خبراء السوق إن خطط قطر للتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال قد تؤدي إلى سيطرتها على ما يقرب من 25 في المئة من حصة السوق العالمية بحلول عام 2030، ما يمثل ضغطاً على المنافسين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، خاصة بعد أن أوقف الرئيس بايدن موافقات التصدير الجديدة مؤقتاً.
وأشار يوسف، في حديثه لـ«CNN الاقتصادية»، إلى أن قطر تستطيع تعزيز مكانتها العالمية خلال الفترة المقبلة من خلال الاستثمار في مشروعات إسالة الغاز الطبيعي، فضلاً عن المشروعات البتروكيماوية والأسمدة ومشروعات تحويل الغاز لمنتجات بترولية سائلة.
وقال «يمكن أن يساعد ذلك قطر على تنويع منتجاتها، وبالتالي تعظيم مواردها وتنمية الاقتصاد لتصبح إحدى القُوى الاقتصادية على مستوى العالم».