مع تزايد إقبال دول العالم على الاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة، تزايدت الدعوات لاستخدام الغاز الطبيعي كوقود خلال المرحلة الانتقالية بين الاستغناء عن استخدام النفط والفحم والبدء في توليد الطاقة من المصادر الجديدة والمتجددة، وهو ما دفع خبراء مجال الطاقة لتوقع زيادة الطلب على الغاز الطبيعي بنسبة تتخطى 30 في المئة حتى عام 2040.
ووافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ ( كوب 28) في دبي نهاية العام الماضي على خريطة طريق «للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري»، وهي المرة الأولى من نوعها في مؤتمر للأمم المتحدة للمناخ، لتأتي بعد أن وافقت الدول في قمة المناخ (كوب 27) على خفض انبعاثات غاز الميثان.
يقول شعيب بوطمين، خبير الطاقة والرئيس التنفيذي لشركة رانادريل، لـ«CNN الاقتصادية»، إن منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي يتوقع ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي بنحو 30 في المئة حتى عام 2040، «لكن أتوقع ارتفاع الطلب على الغاز بنسبة أكبر من المتوقع من قِبل المنتدى، خاصة أن العديد من الدول ستعتمد على الغاز الطبيعي في الصناعات البتروكيماوية».
طلب مرتفع على الغاز الطبيعي وفائض أقل
ويضيف بوطمين، أن زيادة الطلب المتوقع على الغاز الطبيعي سوف تسهم في امتصاص الفائض من الغاز «في ظل التعافي التدريجي للاقتصاد العالمي، ما يدفع الأسعار للتزايد حتى الخريف القادم، فيما تباشر دول الاتحاد الأوروبي ملء خزاناتها استعداداً لفصل الشتاء بالإضافة إلى الطلب على الكهرباء صيفاً نظراً للجوء الأغلبية إلى وسائل التبريد نتيجة ارتفاع درجات الحرارة المتعلقة بتغير المناخ».
وكان الأمين العام للدول المصدرة للنفط (أوبك) هيثم الغيص قال خلال إطلاق تقرير توقعات الغاز العالمية 2050 لمنتدى البلدان المصدرة للغاز، إنه بينما تعدّ مصادر الطاقة المتجددة أسرع مصادر الطاقة نمواً، يأتي الغاز الطبيعي في المرتبة الثانية، مع زيادة الطلب عليه بنسبة 34 في المئة، وتوسع حصته في مزيج الطاقة العالمي من 23 في المئة إلى 26 في المئة.
وتوقع الغيص أن تأتي غالبية إنتاج الغاز الطبيعي بحلول عام 2050 من مشروعات جديدة وموارد غير مطوّرة من المقدّر أن تصل قيمتها إلى 9 تريليونات دولار، مضيفاً أنه يجب دعم ومتابعة التحول من استخدام الحطب والفحم إلى غاز البترول المسال في الطهي، ومن الفحم إلى الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة بوصفها تحولات فعالة من حيث التكلفة إلى نظام طاقة أقل انبعاثات، مع دعم أهداف التنمية المستدامة.
وكان وزير البترول المصري، طارق الملا، قد قال في مقابلة سابقة مع «CNN الاقتصادية»، إن استخدام الوقود الأحفوري هو الأساس ولا يمكن التخلص منه قبل عشرات السنوات.
وأضاف أنه من النجاح أن نُدخل الطاقات الجديدة والمتجددة لتكون جنباً إلى جنب مع الوقود الأحفوري عبر الغاز الطبيعي والغاز المسال.
ويرى إدوارد مويا، كبير محللي السوق لدى أواندا في نيويورك سابقاً، في اتصال مع «CNN الاقتصادية»، أن الحرب في أوكرانيا، أدت إلى موجة من الاستثمار في الغاز الطبيعي.
وقال «كان ذلك بمثابة تذكير بأن الاعتماد على الوقود الأحفوري لن يختفي لفترة من الوقت».
ويضيف مويا أن دول العالم تكافح من أجل التخلص من الاعتماد على النفط، وهذا من شأنه أن يخفف حجم الاستثمار المستمر في مجال البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي.
وتوقعت شركة «شل» النفطية أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المُسال بأكثر من 50 في المئة بحلول عام 2040، حيث تستخدم الصين ودول جنوب آسيا مزيداً من الغاز الطبيعي المُسال لدعم نموها الاقتصادي.
وأشارت إلى أن سوق الغاز الطبيعي المُسال «ستستمر في النمو حتى عام 2040، مدفوعة في الغالب بإزالة الكربون الصناعي في الصين، وتعزيز الطلب في دول آسيوية أخرى».
التحول لاستخدام الغاز الطبيعي يكلف استثمارات أكبر
ويقول بوطمين، خبير الطاقة والرئيس التنفيذي لشركة رانادريل ، إن استخدام الغاز الطبيعي كوقود سيستمر لعقود، «خاصة أن الطاقات المتجددة لا تولد الكهرباء الكافية حتى الآن»، مشيراً إلى أنه على دول العالم البدء بعملية التحول في استخدامات الطاقة من خلال التحول بين الوقود الأحفوري «أي على الدول استبدال الفحم بالغاز الطبيعي في البداية كمرحلة إيجابية للمساهمة في تخفيض الانبعاثات، ثم يعقبه استبدال النفط بالغاز الطبيعي، ثم التحول إلى الطاقة الجديدة والمتجددة».
ويرى أنه على الدول المستهلكة للغاز الطبيعي خاصة دول الاتحاد الأوروبي المساهمة في ضخ استثمارات بمشاريع الغاز الطبيعي على حساب النفط «إن كانت لها أولاً نية التقليل من الانبعاثات وكذلك ضمان إمدادات متوازنة من حيث الحجم والسعر، خاصة أن الطاقة المتجددة تحتاج كذلك إلى الغاز في صناعة بعض المعدات».
ويقول مويا إن عملية استخدام الغاز الطبيعي كوقود انتقالي ستؤثر بشكل محدود على الأسعار عالمياً «كما أن الجهود العالمية تم توجيهها لدعم طاقة الرياح والطاقة الشمسية».
ورجحت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير لها خلال يناير كانون الثاني الماضي، أن يشهد الطلب العالمي على الغاز زيادة بنسبة 2.5 في المئة خلال عام 2024، وقالت إن هذه التوقعات تدعمها درجات حرارة الشتاء الباردة مقارنة بالعام الماضي، وارتفاع الطلب من قطاع الصناعة بسبب تراجع الأسعار، لافتة إلى أنه من المتوقع حدوث زيادة طفيفة فقط في استهلاك الغاز لتوليد الكهرباء.
ومن المرجح أن يتوازن ارتفاع الاستهلاك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأميركا الشمالية والشرق الأوسط بشكل جزئي مع تراجع الطلب في أوروبا، متوقعة أن تؤدي الزيادة المحدودة في الإنتاج العالمي للغاز المسال إلى كبح نمو الطلب في عام 2024.
وتوقعت الوكالة أن يزداد المعروض من الغاز المسال بنسبة 3.5 في المئة هذا العام بسبب التأخير في محطات تسييل الغاز، وهو أقل مما كان عليه في الأعوام السابقة، مرجحة أن يسهم الطلب المتزايد وندرة المعرض في إحداث تقلبات كبيرة في الأسعار على مدار العام الجاري.