مع تزايد الحاجة إلى الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، تتجه الأنظار نحو الحلول البديلة مثل الكابلات البحرية لنقل الطاقة المتجددة.
وفيما يلي نستعرض مشروعاً طموحاً يهدف إلى إنشاء أكبر رابط للطاقة تحت سطح البحر بين أوروبا وأميركا الشمالية، والتحديات والفرص التي قد تنتج عن ذلك المشروع.
تزايد الطلب على الطاقة المتجددة
في مدينة نيويورك يرتفع الطلب على الكهرباء بشكل كبير خلال اليوم، يتم توليد جزء كبير من هذه الطاقة من الغاز الطبيعي، ما يسهم في التغير المناخي، على الرغم من الجهود المبذولة للتحول إلى الطاقة الخضراء، فإن الطاقة الشمسية والرياح ليست دائماً متوفرة بكميات كافية، وتقنيات تخزين الطاقة المتجددة لم تصل بعد إلى الكمال.
لذا يبحث رواد الأعمال عن حلول على بعد آلاف الأميال من نيويورك، عن طريق مشروع طموح يهدف إلى ربط أوروبا وأميركا الشمالية بثلاثة أزواج من الكابلات عالية الجهد تحت سطح البحر، وستربط هذه الكابلات أماكن مثل غرب المملكة المتحدة مع شرق كندا، وربما نيويورك مع غرب فرنسا، لنقل الطاقة المتجددة عبر المحيط الأطلسي.
استخدام الطاقة الشمسية والرياح
قال سيمون لودلام، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إيتشيا للطاقة «عندما تكون الشمس في ذروتها في أوروبا، يمكننا إرسال فائض الطاقة إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وبعد ساعات، عندما تكون ذروة الطلب في أميركا، يمكننا نقل الطاقة في الاتجاه المعاكس»، هذا الاستخدام المزدوج للطاقة المتجددة يعزز من كفاءة استغلال الموارد المتاحة.
مشاريع الكابلات الحالية
توجد بالفعل شبكات كابلات لنقل الطاقة بين عدة دول في أوروبا، المملكة المتحدة -على سبيل المثال- متصلة تحت سطح البحر مع بلجيكا والنرويج وهولندا والدنمارك، هذه الروابط تساعد في تحقيق أهداف الطاقة الخضراء وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
التحديات الجيوسياسية
تعتبر الكابلات البحرية جزءاً من الحل العالمي لمواجهة تغير المناخ، لكن تحليلات Climate Action Tracker تشير إلى أن العالم متأخر في تحقيق أهدافه المناخية، ومع ذلك فإن الكابلات البحرية يمكن أن تسرع من استخدام الطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
كما أن الربط عبر المحيط الأطلسي يتطلب موافقة عدة دول واستثمارات كبيرة، ويهدف المشروع أيضاً إلى مواجهة روسيا والصين في حروب الطاقة العالمية.
ويُطلق على المشروع اسم «The North Atlantic Transmission One-Link» أو «الناتو-L»، في إشارة واضحة إلى التحالفات الجيوسياسية.
الفوائد الاقتصادية والتكنولوجية
يمكن أن تكون الكابلات البحرية أداة حاسمة في تسريع استخدام الطاقة المتجددة، وهذا يمكن أن يساعد الدول في تحقيق أهدافها المناخية ويعزز من التعاون الدولي في مجال الطاقة.
كما يمكن للكابلات البحرية نقل 6 غيغاواط من الطاقة في كلا الاتجاهين بسرعة الضوء، ما يعادل توليد ست محطات طاقة نووية كبيرة، هذا الابتكار يعزز من كفاءة نقل الطاقة ويقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
التهديدات الروسية
روسيا تستخدم المحيط لتصعيد هجماتها في المنطقة الرمادية، ما يشكل تهديداً للكابلات البحرية، وقد أشار فيلم وثائقي أوروبي إلى أن روسيا تنفذ عمليات استخباراتية تحت البحر حول كابلات الطاقة ومزارع الرياح البحرية، ما يزيد من التوترات الجيوسياسية.
ويقول جورج دايسون، وهو محلل كبير لمخاطر الأمن في شركة الاستشارات «كنترول ريسكس»، إن تأثير الزيادة في هجمات المنطقة الرمادية التي تشنها روسيا يبدو أنه ترهيب نفسي في الغالب، وهو تحذير لأوروبا الغربية من أن روسيا لديها القدرة على فعل ما هو أسوأ إذا اختارت ذلك.
ويؤكد دايسون أن مثل هذه الهجمات أصبحت شائعة بشكل خاص في بحر الشمال، وأضاف «لقد وقعت هجمات على مستودعات الأسلحة وكذلك السفن التي تحمل إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، لكن الأمر ليس استراتيجياً للغاية، ويبدو أنه غير منسق إلى حد ما».
فيما قال ألبرتو ريزي، زميل السياسات في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الذي يبحث في الجغرافيا السياسية للطاقة والبنية التحتية، إن روسيا تمتعت على مدى عقود بدور «كبير الحجم» على المسرح العالمي بسبب مواردها الوفيرة من الفحم والنفط والغاز، لكن هذا يمكن أن يتغير مع قيام منافسيها الاقتصاديين، أوروبا والولايات المتحدة -وحتى الدول النفطية التقليدية في الشرق الأوسط- بالاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
وتابع ريزي «إذا نظرت إلى دول الخليج، ستجد أنها تستثمر بكثافة في الطاقة المتجددة، كما تريد أن تكون من المزودين الرئيسيين للطاقة الخضراء، وتريد الحفاظ على الدور الذي تلعبه الآن من حيث كونها قوى طاقة، حتى في مرحلة الانتقال»، «ثم لدينا دول أخرى -مثل روسيا على سبيل المثال- والتي لا تستثمر في الطاقة المتجددة وبالتالي يتم استبعادها».
والمحيط الأطلسي عميق جداً، ما يوفر بعض الحماية للكابلات البحرية، ومع ذلك فإنها تكون أكثر عرضة للخطر عندما ترتفع إلى المياه الضحلة بالقرب من الشواطئ، الحوادث التي تؤدي إلى قطع الكابلات قد تسبب أضراراً كبيرة، كما حدث مع كابلات الاتصالات في البحر الأحمر.
باختصار، حروب الطاقة المستقبلية تتجه نحو أعماق البحار، حيث توفر الكابلات البحرية حلولاً مبتكرة لنقل الطاقة المتجددة بين القارات، رغم التحديات الجيوسياسية والمخاطر الأمنية، فإن هذه المشاريع تعزز من التعاون الدولي وتسرع من الانتقال إلى الطاقة الخضراء، ما يساعد في مواجهة تغير المناخ وتحقيق أهداف الاستدامة العالمية.