بفضل القفزة المشهودة في سوق السيارات الكهربائية وتزايد المبيعات على مدار العقد الأخير، توقعت وكالة الطاقة الدولية انخفاض استهلاك النفط بنسبة ثلاثة في المئة فقط بحلول عام 2050، ما أثار نقاشاً جديداً حول حجم التهديد الذي تشكّله سوق السيارات الكهربائية على صناعة النفط.

ورغم تسارع الاعتماد على السيارات الكهربائية بسرعة أكبر مما توقعه كثير من الناس متحدية بعض النكسات الأخيرة، فقد استمر الطلب على النفط في الارتفاع، وتجاوز 103 ملايين برميل يومياً في الربع الثاني من 2024 بحسب بيانات منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، ما يُسلّط الضوء على مدى صعوبة تحويل محركات العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري.

وقال دانييل ريمي، زميل معهد أبحاث البيئة والطاقة تعليقاً على هذه التوقعات في مدونة، «في ظل السياسات الحالية، لا تشكّل السيارات الكهربائية تهديداً وجودياً للطلب العالمي على النفط، ولا حتى قريب منها»، مضيفاً «إذا أردنا تحقيق أهدافنا المناخية طويلة المدى، فنحن بحاجة إلى سياسات عامة إضافية وابتكار تكنولوجي لإيصالنا إلى حيث نريد أن نذهب».

السيارات الكهربائية والطلب على الوقود

بدأت الإعانات الحكومية والتفويضات في الصين والولايات المتحدة وأوروبا بإحداث تحول ملحوظ في مبيعات السيارات والشاحنات والحافلات الكهربائية الجديدة، وفي العام الماضي، كان ما يقرب من واحدة من كل خمس سيارات جديدة بيعت في العالم كهربائية، بحسب ما كشفه تقرير أخير لوكالة الطاقة الدولية.

وحققت الصين، الرائدة عالمياً في مبيعات السيارات الكهربائية، هدفها لعام 2025 قبل ثلاث سنوات، وفي العام الماضي كانت 37 في المئة من السيارات الجديدة المبيعة في ذلك البلد كهربائية، بحسب شركة ريموند جيمس المالية، وهذا العام، يمكن أن يرتفع هذا الرقم إلى 45 في المئة من مبيعات السيارات الجديدة في الصين، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

وبحسب الطاقة الدولية، فإن ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة البالغ 13.8 مليون سيارة عام 2023، أدّى إلى التخلص من وقود بمقدار 709 آلاف برميل، كان يمكن استهلاكه في العدد نفسه من السيارات التقليدية.

كما تتوقع وكالة حماية البيئة أن تؤدي الزيادة المستمرة في مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة إلى خفض استهلاك البنزين والديزل بما يعادل 2.7 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050، أو نحو 14 في المئة من استهلاك النفط في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، توقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقرير أغسطس آب 2024، ارتفاع الاستهلاك العالمي للوقود السائل بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً عام 2024 و1.6 مليون برميل يومياً عام 2025، رغم هذه الزيادة في مبيعات السيارات الكهربائية.

ويأتي معظم النمو المتوقع من قِبل الإدارة الأميركية في الطلب على الوقود السائل من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مرجّحة زيادة استهلاك هذه الدول وحدها بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً من الوقود السائل عام 2024 و1.4 مليون برميل يومياً عام 2025.

الطلب على النفط يغرّد منفرداً

نما الطلب على النفط بشكلٍ أسرع من المتوقع خلال العامين الماضيين، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، وهو الآن أعلى قليلاً مما كان عليه قبل ظهور جائحة كورونا، وبينما تتوقع الوكالة أن يصل الطلب إلى ذروته قبل نهاية العقد، فإن استهلاك النفط قد يظل قوياً لعقود من الزمن دون دعم أو تفويضات جديدة للسيارات الكهربائية بسبب عدد من العوامل وعلى رأسها الديمغرافية.

على سبيل المثال، ترى وكالة الطاقة الدولية أن النمو السكاني العالمي سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على الطاقة، ويرى الخبراء ذلك كأحد أسباب توقع استمرار ارتفاع الطلب على الوقود الأحفوري لتلبية احتياجات الطاقة العالمية.

وقال ممدوح سلامة، خبير النفط العالمي لـ«CNN الاقتصادية» في تصريحات سابقة، إن استمرار تزايد سكان العالم المتوقع وصوله إلى 9.7 مليار نسمة عام 2050، من 7.9 مليار نسمة حالياً هو تحدٍ آخر أمام التحول الكامل بعيداً عن الوقود الأحفوري، مشيراً إلى أن التعاون بين الطاقة المتجددة والنفط والغاز والفحم، سيؤدي إلى تلبية الطلب العالمي على الطاقة، خاصة في ظل متطلبات الاقتصاد العالمي المتنامي.

وتوقعت منظمة أوبك في تقريرها الشهري في أغسطس آب، نمو الطلب العالمي على النفط الخام عام 2024 الجاري بواقع 2.1 مليون برميل يومياً، ليصل إلى 104.3 مليون برميل يومياً بنهاية العام، مقارنة بالطلب البالغ 102.2 مليون برميل يومياً في 2023، كما توقعت زيادة إضافية بنحو 1.8 مليون برميل يومياً، ما يدفع الطلب العالمي على النفط إلى 106.1 مليون برميل يومياً بنهاية 2024.

الكهرباء حجر عثرة أمام أهداف المناخ

يستهدف هذا التحول نحو السيارات الكهربائية التخلص من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استهلاك الوقود الأحفوري، بهدف تحقيق أهداف المناخ العالمية والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050، لكننا نجد الكهرباء كجحر عثرة أمام هذا الهدف.

وأظهرت بيانات الطاقة الدولية أن أسطول السيارات الكهربائية العالمي استهلك نحو 130 تيراواط في الساعة من الكهرباء عام 2023، مرجّحة أنه مع استمرار ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية، فإن الطلب العالمي على الكهرباء لإعادة شحنها قد يصل إلى ما يقرب من 2200 تيراواط في الساعة بحلول عام 2023، اعتماداً على السياسات المعلنة رسمياً من الحكومات حتى الآن.

وتوقعت الطاقة الدولية أن تستحوذ السيارات الكهربائية على ما يقارب عشرة في المئة من الاستهلاك العالمي النهائي للكهرباء بحلول عام 2035، ما يشكّل تحدياً جديداً في كيفية الحصول على هذه الكهرباء من مصادر نظيفة وتحقيق أهداف المناخ.

ومثّلت مصادر الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري أكثر من 60 في المئة من إجمالي توليد الكهرباء عام 2023، مقابل 9.1 في المئة من الطاقة النووية، ونحو 30 في المئة من مصادر الطاقة المتجددة.

ويقول خبير النفط ممدوح سلامة «التحول في الطاقة يعتمد بشكلٍ رئيسي على النجاح في مجال الطاقة المتجددة بما في ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية في توليد ما يكفي العالم من الكهرباء، وهذا لن يحدث بسبب الطبيعة المتقطعة للطاقة الشمسية والطاقة الرياح، بسبب العوامل الطبيعية وعوامل الطقس».

وأضاف سلامة عن الطاقة المتجددة أنها لن تستطيع أن توفر وحدها الكهرباء للعالم دون دعم ضخم من طاقة الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والفحم والغاز الطبيعي والطاقة النووية.