بعد عقود من التعامل معها باعتبارها الشاة السوداء في عالم الطاقة، تتمتع الطاقة النووية في آسيا بنهضة غير عادية بفضل أزمة الطاقة العالمية التي أشعلتها حرب روسيا في أوكرانيا فضلاً عن الطلب المرتفع على الطاقة.

في مارس آذار الماضي، تعهدت 34 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة، بتثبيت المزيد من القدرة النووية في محاولة لخفض اعتمادها على الوقود الأحفوري، وفي خطوة غير عادية للغاية، وافقت الحكومة الفيدرالية الأميركية على تقديم قرض بقيمة 1.5 مليار دولار لإعادة تشغيل محطة للطاقة النووية في جنوب غرب ميشيغان، متخلية عن خطط سابقة لإغلاقها، فيما ستصبح أول محطة نووية على الإطلاق في الولايات المتحدة يتم إحياؤها بعد هجرها.

ووفقاً لتقرير وكالة الطاقة الدولية بعنوان «الكهرباء 2024»، من المتوقع أن يصل توليد الطاقة النووية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق على مستوى العالم في عام 2025، متجاوزاً الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2021.

ومع ذلك، فإن آسيا، وليس الغرب، هي المركز الحقيقي لنهضة الطاقة النووية الجارية.

وبحسب شركة الطاقة العملاقة السويسرية السويدية «أيه بي بي»، من المرجح أن تشهد الطاقة النووية انتعاشاً في آسيا مع تخلص القطاع من سمعته السلبية والاستياء العام، فضلاً عن تطلع البلدان إلى استبدال الوقود الأحفوري بالوقود منخفض الكربون.

وقالت كارين بومبر، المديرة التجارية في شركة إيه بي بي إنرجي إندستريز «هناك سياسات أو تاريخ أو دلالة لم تكن دائماً مواتية للطاقة النووية، في أجزاء من أوروبا توقفوا عن الاستثمار منذ عقود من الزمان، ولكن الآن مع تأثير الحرب في أوكرانيا، هناك استثمار واهتمام مرة أخرى لأنها خالية من الكربون بنسبة 100 في المئة، في حين أن بعض مصادر الطاقة المتجددة الأخرى منخفضة الكربون ولكنها ليست خالية من الكربون».

وتدعم البيانات المتاحة آراء شركة إيه بي بي إينرجي، فوفقاً للرابطة النووية العالمية، تضم آسيا 145 مفاعلاً نووياً صالحاً للتشغيل، منها 45 قيد الإنشاء والعديد من المفاعلات الأخرى المقترحة، والواقع أن نحو ثلاثة أرباع المفاعلات النووية قيد الإنشاء على مستوى العالم تقع في آسيا.

الصين

ليس من المستغرب أن يكون النمو الأعظم في توليد الطاقة النووية متوقعاً في الصين، ففي الوقت الحالي تمتلك البلاد 56 مفاعلاً صالحاً للتشغيل (54.4 غيغاواط صافية)؛ و30 مفاعلاً قيد الإنشاء (34.7 غيغاواط إجمالية) و37 مفاعلاً مخططاً (39.9 غيغاواط إجمالية).

وعلى مدى العقد الماضي، تم ربط 70 مفاعلاً جديداً بالشبكة على مستوى العالم، 37 منها في الصين، والدافع الأكبر وراء البناء السريع للمفاعلات النووية في الصين هو خفض توليد الطاقة من محطات تعمل بالفحم.

اليابان

اليابان هي ثاني أكبر قوة نووية في آسيا، حيث تضم 33 مفاعلاً صالحاً للتشغيل (31.7 غيغاواط)، على الرغم من إغلاق العديد منها مؤقتاً، ومع ذلك هناك مفاعلان فقط قيد الإنشاء حالياً (2.8 غيغاواط كهربائية) ومفاعل واحد مخطط له (1.4 غيغاواط كهربائية).

كانت لدى اليابان طموحات نووية كبيرة قبل حادث فوكوشيما النووي سيئ السمعة في عام 2011، إذ من المتوقع أن تولد الطاقة النووية أكثر من 40 في المئة من كهرباء البلاد بحلول عام 2017 وتخطط لمضاعفة القدرة النووية (إلى 90 غيغاواط كهربائية) والحصة النووية بحلول عام 2050، ومع ذلك تم تأجيل هذه الخطط والآن تهدف الدولة إلى توليد 20 في المئة فقط من كهربائها من الطاقة النووية بحلول عام 2030، من أسطول مستنفد.

الهند

تضم الهند 23 مفاعلاً قابلاً للتشغيل (7.4 غيغاواط كهربائية)؛ 7 مفاعلات قيد الإنشاء (5.9 غيغاواط كهربائية) و12 مفاعلًا (8.4 غيغاواط كهربائية) من المتوقع أن تدخل الخدمة.

تعد الهند رائدة في تطوير دورة وقود الثوريوم، والآن يُعَد الثوريوم بمثابة «الأمل الأخضر العظيم» لإنتاج الطاقة النظيفة التي تنتج نفايات أقل وطاقة أكبر من اليورانيوم، وهي مقاومة للانصهار ولا تنتج أي نواتج ثانوية صالحة للاستخدام في الأسلحة، بل يمكنها حتى استهلاك مخزونات البلوتونيوم القديمة، ويوجد الثوريوم في قشرة الأرض أكثر من ضعف كمية اليورانيوم؛ ففي الهند، يوجد الثوريوم بوفرة أكبر بأربع مرات من اليورانيوم، ويمكن استخراج الثوريوم كذلك من مياه البحر تماماً مثل اليورانيوم، ما يجعله لا ينضب تقريباً.

كوريا الجنوبية

كوريا الجنوبية لديها 26 مفاعلاً صالحاً للتشغيل (25.8 غيغاواط كهربائية) مع مفاعلين قيد الإنشاء (2.7 غيغاواط كهربائية)، حالياً تمثل الطاقة النووية 25 في المئة من توليد الكهرباء في كوريا الجنوبية، ومع ذلك من المقرر أن تزيد هذه النسبة؛ إذ ألغى الرئيس يون سوك يول سياسة الإدارة السابقة للتخلص التدريجي من الطاقة النووية بحلول عام 2045، وحدد بدلاً من ذلك هدفاً لزيادة حصتها في مزيج توليد الطاقة في البلاد إلى 30 في المئة بحلول عام 2023.

تصدر كوريا الجنوبية تكنولوجيتها النووية على نطاق واسع.

باكستان

في الوقت ذاته، تعد باكستان موطناً لستة مفاعلات صالحة للتشغيل (3.3 غيغاواط كهربائية) مع مخطط واحد (1.2 غيغاواط كهربائية).

تولد باكستان نحو 7 في المئة من كهربائها من الطاقة النووية، في حين أن هذا يبدو ضئيلاً مقارنة بنظيراتها، فإن توسيع القدرة النووية للبلاد كان لفترة طويلة عنصراً أساسياً في سياسة الطاقة الباكستانية، قبل عقد من الزمان حددت الحكومة هدفاً لتطوير 8.9 غيغاواط كهربائية من القدرة النووية في عشرة مواقع بحلول عام 2030.