في الوقت الذي يشكو فيه أصحاب الأعمال في الولايات المتحدة من نقص العمالة، تكافح الحكومة الفيدرالية على الحدود الجنوبية من أجل وقف التدفق المستمر للمهاجرين الراغبين في إيجاد عمل.

لم يقترح أحد أن فتح الحدود قد يكون حلاً لمشكلة نقص العمالة، حتى وإن كان عجز أرباب العمل على إشغال ملايين الوظائف يلعب دوراً في رفع معدلات التضخم العنيدة، ورفع أسعار الفائدة.

قال ديفيد بيير، المدير المساعد لدراسات الهجرة في معهد كاتو التحرري «هناك عدم توافق بين سياسة الحكومة والواقع الاقتصادي على الأرض».

وأضاف «لدينا سياسة مصممة لإبعاد الناس وفي الوقت نفسه نعاني أزمة في أسواق العمل، إذ لدينا ما يقرب من عشرة ملايين وظيفة شاغرة منذ عامين»، إذ تشهد الولايات المتحدة تباطؤاً تاريخياً في نمو عدد السكان في سن العمل.

طفرات عنيدة بسوق العمل

تشهد الولايات المتحدة واحدة من أطول فترات تباطؤ النمو السكاني، فخلال العشر سنوات الممتدة بين 2010 و2020، نما تعداد السكان بشكلٍ أبطأ من أي فترة مماثلة في التاريخ، باستثناء فترة الكساد الكبير، وفقاً لتحليل بيانات «مكتب الإحصاء» الذي أجراه ويليان فراي، الخبير الديموغرافي في معهد «بروكينغز مترو».

وجاء التباطؤ حاداً بشكلٍ خاص بين الشباب في سن العمل، ففي الفترة بين 1960 و1980، نما حجم القوى العاملة بنحو ثلاثة أخماس، وارتفع مرة أخرى بأكثر من الثُلث خلال الفترة من 1980 و2000، إلّا أن نمو القوى العاملة بدأ بالتباطؤ بعد ذلك، إذ ارتفع بمقدار السُدس فقط منذ 2000 إلى 2020، ومنذ ذلك الحين تنمو القوى العاملة بشكلٍ أبطأ.

ويرى فراي أن الاتجاهات الديموغرافية لا تشير إلى أي تخفيف لهذا التباطؤ، إذ انخفض عدد الأطفال دون سن الـ18 في الولايات المتحدة بنحو مليون طفل من عام 2010 إلى عام 2020.

وبالنظر إلى أن أطفال اليوم هم عمال الغد، فإن هذا التراجع يضمن ضغطاً مستمراً على القوة العاملة.

ولكن نقص عدد السكان القادرين على العمل لا يُشكّل الأزمة الوحيدة، إذ تقترن بنقص نسبة سعي السكان إلى الحصول على وظيفة.

وكان معهد أبحاث مزايا الموظفين غير الحزبي في دراسة حديثة أشار إلى أن نسبة البالغين في سن العمل الذين يشغلون أو يبحثون عن وظائف قد توقفت في السنوات الأخيرة عند نسبة تزيد بقليل على الثلاثة أخماس، بانخفاض من نحو الثلثين منذ أواخر من الثمانينيات حتى عام 2008 تقريباً.

من ناحية أخرى، أسهمت الزيادة الكبيرة في عدد العاملين الأكبر سناً في تعزيز الأزمة، إذ تضاعفت حصة القوى العاملة المكونة من عمال تتخطى أعمارهم 55 عاماً، خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، لتصل إلى الربع الآن بدلاً من الثُمن عام 1933.

وهذا يعني أن الاقتصاد يعتمد بشكلٍ أكبر على العمال الأكبر سناً من أي وقت مضى في تاريخه الحديث.

ويقول كريغ كوبلاند، مدير أبحاث فوائد الثروة في معهد بحوث هندسة الزلازل: «من المحتمل أن الدولة لا تستطيع الحفاظ على مثل هذه المشاركة المرتفعة من العمال بعد سن التقاعد التقليدي البالغ 65 عاماً تقريباً».

قبول المهاجرين هو أقصر طرق الحل

من ناحية أخرى، يتفق الخبراء على أن تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية في عدد من بلدان أميركا اللاتينية يجعل مهمة السيطرة على تدفق المهاجرين أمراً صعباً، لكن الرئيس الأميركي جو بايدن راهن على أن خلق المزيد من الخيارات القانونية سيقلل من عدد الأشخاص الذين يتطلعون إلى العبور بشكل غير قانوني.

ويرى كوبلاند، أن قبول المزيد من المهاجرين هو الطريقة الوحيدة المعقولة لتوليد المزيد من العمال على المدى القريب.

كما يشير بيير من معهد كاتو إلى أن الولايات المتحدة تعتمد بالفعل على المهاجرين لدعم العمال الأميركيين المتاحين، إذ وجدت أن المهاجرين وأطفالهم يمثّلون 70 في المئة من عدد العمال في سن العمل منذ 1995.

تشير حسابات بايدن إلى أن توفير فرص لعبور الحدود بشكلٍ شرعي سيخلق فرصة لتشديد عقوبات المخالفة، إذ قال أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية، طلب عدم الكشف عن هويته «إذا توفرت لديك عواقب مشروعة للدخول غير المشروع بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى المسارات القانونية، فإن هذين الأمرين معاً يقللان من الهجرة غير الشرعية».

وأضاف «ولكن ثبتت عدم فاعلية توفر أحدهما دون الآخر».

باستخدام السلطة التنفيذية، فعل بايدن الكثير لتمهيد تلك المسارات القانونية؛ فعلى سبيل المثال ضاعف عدد المهاجرين المقبولين بموجب تأشيرات العمل الدائمة باستخدام سلطته القانونية لتحويل التأشيرات العائلية غير المستخدمة لفئة التوظيف.

كما زاد عدد العمال المؤقتين المقبولين في قطاعات مثل الزراعة والعمل الموسمي، كما استخدم بايدن ما يُسمى بسلطة «الإفراج المشروط» للسماح قانوناً بدخول أعداد كبيرة من المهاجرين من البلدان التي تواجه أزمات حادة.

ولكن جهود بايدن في السماح بمزيد من الهجرة القانونية اعتمدت بشكلٍ أساسي على السلطة التنفيذية بدلاً من التشريع، ما يعرِّضه للتحديات القانونية، ويحد من نفوذه، وعلى الأرض الواقع، ارتفع عدد عمليات الطرد والاعتقال على الحدود الأميركية خلال العام الماضي بشكل تاريخي إذ تخطت 2.2 مليون عملية، وفقاً لبيانات ستاتيستيكا.

من ناحية أخرى يملك الكونغرس الأميركي وحده القدرة على توسيع مسارات الهجرة القانونية على نطاق قد يُسهم حقاً في حل أزمة نقص العمالة.