بعد إعلان «هيئة كهرباء ومياه دبي» وشركة «أكوا باور» السعودية الإغلاق المالي لمشروع مجمع حصيان لتحلية مياه البحر بتقنية التناضح العكسي باستخدام الطاقة الشمسية الشهر الماضي، فازت شركة فيوليا لتكنولوجيا المياه الفرنسية والتابعة لمجموعة فيوليا الرائدة عالمياً في مجال الخدمات البيئية بعقد هندسة وتزويد المشروع بتكنولوجيا مستدامة وبقيمة وصلت إلى 320 مليون دولار.

قالت أستيل براشليانوف، الرئيسة التنفيذية للشركة في حديثها مع (CNN الاقتصادية) «إن العالم بأجمعه يبحث عن حلول للتغير المناخي من خلال التأقلم، وتبرز تحلية المياه كحل للتخفيف من شح المياه في منطقة الشرق الأوسط.. وتبرز فيوليا في طليعة الشركات التي تقود التحول البيئي في مجال تحلية المياه، وهدفنا هو جعل هذه التقنية فعالة ومستدامة قدر المستطاع».

وشرحت براشليانوف أن فيوليا توفر اليوم مياه شرب لنحو 4.47 مليون شخص، وتربط 6.72 مليون بالصرف الصحي، مضيفة «من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص والاتفاقيات التعاقدية المبتكرة نقدم حلولاً عملية في مجال المياه والنفايات والطاقة، وبالتالي نسهم في خلق تأثير إيجابي على المجتمعات والمناخ في المنطقة».

الأمن المائي

وأضافت «غالبية المياه المستهلكة في الإمارات مصدرها البحر، ونحن مستعدون لمساعدة الإمارات بخبرتنا التقنية في إدارة الموارد المائية تماشياً مع النمو في الاستهلاك وتجديد المرافق الحالية، وذلك بغية مساعدة الإمارات في طموح الاستدامة وتحقيق صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050».

ويعد الأمن المائي ضمن الأولويات القومية الخليجية عموماً والإماراتية خصوصاً، حيث تسهم دول الخليج بنحو 40 في المئة من إجمالي المياه المحلاة في العالم من خلال أكثر من 400 محطة تحلية المياه.

ويقدر حجم الطلب على المياه في الإمارات بنحو 4,2 مليار متر مكعب سنوياً، وفق ما صرحت به وزارة الطاقة والبنية التحتية ضمن فعاليات القمة العالمية لطاقة المستقبل 2024 التي عقدت في أبوظبي الشهر الماضي.

وتسعى هيئة كهرباء ومياه دبي إلى زيادة القدرة الإنتاجية للمياه المحلاة للهيئة من 490 مليون غالون يومياً حالياً إلى 730 مليون غالون يومياً بحلول عام 2030 نظراً للازدياد المطّرد في الطلب على المياه في كل قطاعات الاستهلاك المنزلية والتجارية.

تفاصيل المشروع

تصل القدرة الإنتاجية لمشروع مجمع حصيان في مرحلته الأولى إلى نحو 180 مليون غالون من المياه المحلاة يومياً، وهو يعمل بنظام المنتِج المستقل للمياه باستثمارات تبلغ 3.357 مليار درهم (914 مليون دولار أميركي)، وتبلغ مساحة الأرض المخصصة للمشروع 252,300 متر مربع، وفق بيانات هيئة كهرباء ومياه دبي على موقعها الإلكتروني.

وحققت الهيئة أدنى سعر عالمي بلغ 0.36 دولار أميركي للمتر المكعب من المياه المحلاة، قدمته شركة «أكوا باور».

ويعد هذا المشروع الأكبر من نوعه في العالم لتحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية، وأول مشروع لهيئة كهرباء ومياه دبي وفق نموذج المنتج المستقل للمياه، وسترتفع القدرة الإنتاجية للمياه المحلاة للهيئة إلى 670 مليون غالون يومياً عام 2026، مع إنجاز كل مراحل تطوير هذا المشروع.

وتقول براشليانوف إن هذه الوحدة من المشروع ستعالج نحو 818406 أمتار مكعبة في اليوم الواحد، وتسهم في زيادة السعة الإنتاجية لهيئة كهرباء ومياه دبي بـ36 في المئة.

ابتكار واستدامة وتقليص التكلفة

ويتماشى هذا التوجه مع استراتيجية الإمارات للأمن المائي 2036 التي تهدف إلى ضمان استدامة واستمرارية الوصول إلى المياه من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة.

فالمحلول شديد الملوحة الناتج عن محطات التحلية في منطقة الخليج يسبب ارتفاع ملوحة مياه البحر بنسبة 20 في المئة، وفق تقرير البنك الدولي حول «ندرة المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».

الأمر الذي يؤدي إلى جانب المواد الكيميائية المستخدمة أثناء معالجة تحلية المياه، إلى زيادة منسوب الملوحة في مياه الخليج العربي، كما أنه يرفع درجات حرارة المياه الساحلية، ويضر التنوع البيولوجي ومصايد الأسماك والمجتمعات الساحلية.

لذلك اتجهت دبي منذ عام 2021 إلى استبدال تقنية التقطير الوميضي بتقنيات التناضح العكسي في تحلية المياه التي تعتبر إلى اليوم الأكثر كفاءة والصديقة للبيئة، فالتناضح العكسي يزيل الملح والملوثات الأخرى عن طريق دفع الماء عبر تقنيات الأغشية، فيما يعتمد التقطير الوميضي متعدد المراحل على الحرارة، وعلى الرغم من أن كلتا التقنيتين تنتج محلولاً ملحياً، فإن المنتج الثانوي للتقطير الومضي متعدد المراحل يكون أكثر سخونة بكثير؛ ما يزيد من تعطيل النظام البيئي.

وتقول براشليانوف حول القيمة الاقتصادية لتقنية التناضح العكسي بالنظر إلى تكلفة رأس المال والطاقة وممارسات الاستهلاك والاستدامة مقارنة بالتقنيات الحرارية، إن هذه التقنية تمثل العديد من الفوائد الاقتصادية والبيئية، ما يسمح بتحلية المياه لتكون أكثر استدامة وكفاءة للنباتات.

وأفادت بأن تكنولوجيا التناضح العكسي التي تطبقها شركة فيوليا تعمل على تقليل استهلاك الطاقة المطلوبة بشكل كبير وزيادة الإنتاجية.

وقالت «في هذا المشروع المحدد تمكنّا من الحد من استهلاك طاقة تحلية المياه على نطاق واسع يصل إلى 2,9 كيلوواط ساعة/م3 وهو أقل بنسبة 73% مقارنة بالطاقة الحرارية لتحلية المياه؛ ما يجعلها محطة تحلية المياه الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة في العالم والتقليل من تكلفة إنتاج مياه الشرب، والتي تشمل تكلفة رأس المال وتكلفة التشغيل وتكلفة التمويل».

وأضافت أن استخدام الطاقة المتجددة لتشغيل المشروع يعزز البصمة البيئية للمحطة، إذ إنها ستكون أكبر محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية في العالم، وسيتم توفير الطاقة المطوية للتشغيل والمقدرة بـ100 إلى 150 ميغاواط بواسطة محطة الطاقة الشمسية الموجودة بجانبه.