مع ازدياد تركيز المستثمرين في سوق الأوراق المالية بشكل كبير في السنوات الأخيرة على قطاعات وأسهم معينة، تبرز أهمية تنويع المحافظ الاستثمارية مع الحفاظ على حيازة المستثمرين أسهم الشركات الكبيرة حول العالم.

وبحسب بيتر أوبنهايمر، كبير استراتيجيي الأسهم العالمية ورئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في أوروبا لدى غولدمان ساكس للأبحاث فإن هيمنة شركات ما على السوق ليست بالأمر الجديد، ولا تمثل مشكلة إلا إذا لم تكن مدعومة بالأساسيات، لكنه يضيف أنه على مستوى الأسهم تحديداً فنادراً ما تظل الشركات المهيمنة هي الأفضل أداءً على مدى فترات طويلة من الزمن.

وعلى مدار الخمسين عاماً الماضية، كانت سوق الأوراق المالية الأميركية هي الأكبر على مستوى العالم، واستمرت حصتها من القيمة السوقية العالمية في الارتفاع بشكل مطرد في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، وهي تشكّل حالياً نحو 45 في المئة، مقابل نحو 30 في المئة في عام 2009.

ويعكس هذا الارتفاع الأطول أمداً في الحجم النسبي لسوق الأسهم الأميركية قوة الاقتصاد الأميركي، ولكن تسارعت هيمنتها بشكل كبير منذ الأزمة المالية العالمية متجاوزةً زيادات القيمة السوقية للأسهم في آسيا وأوروبا، وكنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ارتفعت حصة الولايات المتحدة من القيمة السوقية للأسهم بشكل مطرد أيضاً، مع ملاحظة أن العديد من الشركات غير الأميركية أصبحت حالياً تتداول في البورصات الأميركية.

تفوق الشركات الأميركية

قال أوبنهايمر في مذكرة بحثية لبنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس، إن النمو القوي لأرباح الشركات الأميركية خلال هذا الوقت يفسر تفوقها النسبي في الأداء، وبحسب أوبنهايمر، فقد انخفضت أسعار أسهم وأرباح الشركات غير الأميركية مقارنة بنظيراتها المدرجة في الولايات المتحدة.

وأوضح أن سوق الأسهم الأميركية تزخر بوجود الصناعات الأسرع نمواً مقارنةً بسائر بلدان العالم، كما أن معدل إعادة استثمار الشركات في سوق الأسهم الأميركية أعلى مقارنةً بمعظم الأسواق الأخرى، كما أنها تتمتع بسيولة أكبر تساعد على تقليل علاوة المخاطر.

وأشار أوبنهايمر إلى أن الاقتصاد الأميركي أكبر وأقوى من الاقتصادات الأخرى، ما أدى إلى تزايد شهية الشركات الأجنبية للإدراج في السوق الأميركية.

تنويع المحافظ الاستثمارية

وعلى الرغم من تفوق السوق الأميركية، فإن هناك العديد من الشركات الواعدة وذات النمو الجيد في مناطق أخرى من العالم، ومن ثم فإن من الضروري أن تكون جزءاً من محفظة متنوعة، وبحسب تقرير غولدمان ساكس، تُعد اليابان سوقاً جذابة بين الأسواق المتقدمة، كما تبرز فرص واعدة للمستثمرين في الهند والصين أيضاً.

وتوصي وحدة أبحاث غولدمان ساكس كذلك بالشركات التي يرتبط أداؤها بشكل وثيق بحالة الاقتصاد والدورة التجارية في أوروبا، إذ يتمتع المستهلكون الأوروبيون بمدخرات عالية ونمو حقيقي في الأجور مع انتعاش النشاط الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي.

هيمنة قطاع التكنولوجيا

تستحوذ أسهم التكنولوجيا والإعلام والاتصالات على حصص متزايدة من سوق الأوراق المالية العالمية خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في الولايات المتحدة وأسواق أخرى في آسيا، وفي هذا الصدد، يشير أوبنهايمر إلى ارتفاع أرباح شركات التكنولوجيا منذ الأزمة المالية العالمية، وقد تفاقمت هذه الديناميكية بسبب جائحة كورونا التي ضربت العالم في عام 2020، إذ دفع التباعد الاجتماعي الطلب على التكنولوجيا.

وعن تأثير أسعار الفائدة العالية خلال العامين الماضيين، يشير أوبنهايمر إلى تحقيق قطاع التكنولوجيا معدل نمو متسارعاً خلال العام الماضي، موضحاً أن الوفورات النقدية الكبيرة لدى شركات التكنولوجيا قد أفادتها إذ أعادت تلك الشركات استثمار أموالها بمعدلات فائدة مرتفعة للغاية.

ومستوى تركيز التكنولوجيا في المحافظ الاستثمارية ليس بالجديد حال مقارنته بقطاعات أخرى في الماضي، وفقاً لأبحاث غولدمان ساكس، على سبيل المثال، يبلغ حجم قطاع التكنولوجيا الحالي حجم قطاع الطاقة نفسه الذي كان في ذروته في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، ويظل أصغر من قطاعات مثل النقل (الذي هيمن في القرن الماضي) والتمويل والعقارات.

يقول أوبنهايمر «على مدى الـ200 عام الماضية، كانت أكبر صناعة ممثلة في سوق الأوراق المالية في كل وقت من الأوقات تعكس المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي».

الغرانولاس في أوروبا.. و«العظماء السبعة» في أميركا

ووفقاً لتقرير غولدمان ساكس، تُعد شركات الغرانولاس الأوروبية، وهي أكبر 11 شركة على مؤشر ستوكس 600، أرخص نسبياً من نظيراتها «العظماء السبعة» في الولايات المتحدة، وتتمتع هذه الأسهم الأوروبية بميزانيات عمومية قوية وهوامش ربح عالية ومستقرة، وتضم الغرانولاس شركات عملاقة مثل غلاكسو سميث كلاين وأسترازينيكا وسانوفي ونستله ونوفارتيس ونوفو نورديسك ولوريال.

وتضم أسهم العظماء السبعة شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة مثل أبل ومايكروسوفت وأمازون وألفابيت وميتا وإنفيديا وتسلا، ويوصي بنك غولدمان ساكس بتنويع المحافظ الاستثمارية من خلال شراء أسهم في تلك الشركات سعياً لتعظيم الأرباح على المدى البعيد.