في الوقت الذي تعاني فيه العديد من الدول حول العالم أزمة في الإسكان، تواجه اليابان مشكلة مختلفة تماماً وهي الزيادة المفرطة في عدد المنازل المهجورة أو غير المأهولة بالسكان.
قفز عدد المنازل غير المأهولة في اليابان إلى مستوى قياسي يناهز 9 ملايين منزل، أي ما يكفي لمنح كل شخص في مدينة نيويورك -على سبيل المثال- منزلاً كاملاً، فما السبب وراء هذه الوفرة؟
السبب ببساطة هو شيخوخة السكان والتراجع الحاد في المعدل السنوي للمواليد في رابع أكبر اقتصادات العالم.
الكثير من المنازل والقليل من البشر
يرى جيفري هول -المحاضر بجامعة كاندا للدراسات الدولية في اليابان- أن السبب في هذه الظاهرة لا يعود إلى تشييد الكثير من المنازل بل إلى وجود «القليل من البشر».
وبحسب بيانات وزارة الاتصالات والشؤون الدولية، فإن 14 في المئة من الملكيات العقارية في اليابان غير مأهولة بالسكان.
ومن الطبيعي أن تنتقل ملكية العقارات إلى الجيل الشاب التالي من العائلة بعد وفاة الملاك الأصليين، لكن ذلك قد يمثّل تحدياً آخر في اليابان، ففي كثير من الأحيان لا تجد تلك العقارات من يرثها بعد وفاة أصحابها بسبب نقص معدل المواليد بالدولة.
وشهدت مواقع السوشيال ميديا في الآونة الأخيرة الكثير من مقاطع الفيديو التي تبرز أشخاصاً -معظمهم من الأجانب- يصورون تجاربهم في شراء هذه المنازل المهجورة بأثمانٍ زهيدة وتحويلها إلى مقاهٍ ودور ضيافة عصرية أنيقة، ما أغرى العديد من المتابعين حول العالم بالتفكير في خوض تلك التجربة.
لكن الخبراء يحذّرون من أن الأمر ليس بتلك السهولة، لأن معظم هذه المنازل لن يُسمح ببيعها لغير اليابانيين، كما أن نقل ملكيتها يتطلب الكثير من الإجراءات الإدارية المعقدة، والتي ستصبح أكثر تعقيداً إذا كان المالك الجديد لا يتقن اللغة اليابانية تحدثاً وقراءة.
تناقص المواليد يقرع ناقوس الخطر
تشهد اليابان تراجعاً حاداً في معدل نمو السكان منذ سنوات، وفي عام 2023 واصلت معدلات المواليد تراجعها للعام الثامن على التوالي مسجّلة أدنى مستوياتها على الإطلاق.
ويتراوح معدل المواليد في البلاد حول 1.3 في المئة منذ سنوات، وهو أقل كثيراً من المعدل المطلوب لضمان الاستقرار الديموغرافي بالدولة الذي يُقدّر بـ2.1 في المئة.
وفي هذا الإطار، كشفت وزارة الاتصالات والشؤون الداخلية الأسبوع الماضي عن انكماش عدد الأطفال تحت سن 15 عاماً للعام الـ43 على التوالي 2024 ليصل إلى 14 مليون طفل فقط خلال العام المنتهي 1 أبريل نيسان.
المساكن المهجورة معضلة للسلطات
وفي ظل عدم التوازن الديموغرافي الحاد الذي تعانيه الدولة، فمن المتوقع أن تستمر أزمة المساكن المهجورة فترة ليست بالقليلة، لكن تلك المشلة تمثّل تحدياً للحكومة في الكثير من الأحيان.
وضرب يوكي أكياما -الأستاذ بكلية التصميم الحضري بجامعة طوكيو- مثالاً على ذلك بالزلزال الذي ضرب شبه جزيرة نوتو في يناير كانون الثاني الماضي والذي بلغت شدته 7.5 درجة، إذ أوضح أن المساكن المهجورة بالمنطقة شكّلت خطورة على السكان خلال الكارثة، كما مثّلت عقبة أمام جهود إعادة الإعمار بعد الزلزال.
ويشرف أكياما حالياً على برنامج تجريبي مدعوم بالذكاء الاصطناعي لتحديد المناطق الأكثر اكتظاظاً بهذا النوع من المساكن التي لا تغري السكان المحليين بالعيش فيها.
وفي هذا الإطار، أشار أكياما إلى أن أزمة المساكن المهجورة لا تقتصر على اليابان، بل تعانيها العديد من الدول حول العالم مثل أميركا والدول الأوروبية.
لكن على عكس تلك الدول، لا تحظى المساكن القديمة أو التاريخية بإقبال اليابانيين الذين يفضّلون العيش في المساكن العصرية الجديدة، فكلما كان المنزل جديداً، ارتفع سعره وزاد الإقبال عليه.