اضطراب الملاحة في البحر الأحمر.. أزمة جديدة تُضاف لآلام الاقتصاد العالمي بعد أن قررت أكثر من 100 شركة تجنب تسيير سفنها عبر البحر الأحمر و قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية، ما يهدد بتعطيل سلاسل التوريد ورفع أسعار النفط وارتفاع معدلات التضخم، في وقت يتباطأ فيه النمو العالمي ويكتوي فيه المستهلكون حول العالم بنيران ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.

وبالفعل، ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 1 في المئة خلال تعاملات الجمعة متأثرة باستمرار التوترات في الشرق الأوسط، على الرغم من قرار أنغولا الانسحاب من عضوية منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، ما أثار التساؤلات حول قدرة المنظمة على دعم الأسعار.

وتتجه أسعار خام برنت وخام غرب تكساس لتسجيل زيادة أسبوعية بنحو 5 في المئة مدعومة بالمخاطر الجيوسياسية المتزايدة واضطرابات الملاحة في منطقة خليج عدن والبحر الأحمر.

كيف يؤثر اضطراب الملاحة بالبحر الأحمر على المستهلك العادي؟

منذ بدء الهجمات الحوثية الأخيرة، أعلنت العديد من الشركات الكبرى تجنب عبور قناة السويس، ذلك الممر المائي الاستراتيجي الذي يُعد أقصر الطرق الرابطة بين البحرين الأحمر والمتوسط، والذي يمر به ما بين 10 و15 في المئة من إجمالي التجارة العالمية، و30 في المئة من تجارة الحاويات.

وكبديل عن قناة السويس، قامت تلك الشركات بتغيير مسار سفنها إلى جنوب إفريقيا؛ ما يؤدي إلى زيادة مدة وتكلفة الشحن وتأخر مواعيد التسليم، فوفقاً للخبراء يؤدي السفر عبر جنوب إفريقيا لإضافة 10 أيام إلى الرحلة المتجهة من آسيا إلى شمال أوروبا وشرق البحر المتوسط.

وهذا الارتفاع في التكلفة قد يضطر الشركات في النهاية إلى رفع أسعار منتجاتها، ما سيؤثر بشكل مباشر على ميزانية المستهلكين حول العالم، خاصة أن أكثر من 80 في المئة من تجارة السلع العالمية تُشحن عن طريق البحر.

وبدأت كبرى شركات الشحن في العالم في إرسال بعض السفن عبر طريق رأس الرجاء الصالح؛ ما يزيد التكلفة ويضيف أسابيع إلى وقت الرحلة.

وقررت عملاقة الشحن (ميرسك) يوم الخميس رفع الرسوم على عمليات الشحن القادمة من آسيا لتغطية النفقات الإضافية التي ستتكبدها نتيجة تحويل مسار حاوياتها من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح.

تكلفة تصل إلى مليون دولار

وفقاً لتقديرات منصة الشحن (زينيتا)، فإن تغيير مسار أطول رحلة شحن بين آسيا وشمال أوروبا قد يؤدي لزيادة تكلفة الوقود إلى مليون دولار ذهاباً وإياباً.

ونقلت وكالة رويترز عن كبير مسؤولي التسويق في شركة (فريتوس) لحجز الشحن الدولي، إيتان بوشمان، أن سعر شحن حاوية من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط ارتفع بنسبة 44 في المئة في ديسمبر كانون الأول بسبب الاضطرابات الأخيرة، ليصل إلى 2413 دولاراً حتى يوم الثلاثاء الماضي؛ بعدما سجل 1371 دولاراً في وقت سابق من العام الجاري.

ومع ذلك، فإن هذا المعدل لا يزال أقل كثيراً من المستوى القياسي المسجل إبان حقبة الجائحة في يناير كانون الثاني 2022 عندما قفزت الأسعار إلى 14158 دولاراً، نتيجة تأخر شحنات البضائع لعدة أشهر، ونقص سفن الحاويات المتاحة، وتراجع الطلب العالمي، خاصة في الصين.

ومن المتوقع أن يمرر تجار التجزئة والمصنعون هذه التكلفة الإضافية إلى المستهلكين، ما يسهم في رفع معدلات التضخم ومفاقمة أزمة غلاء المعيشة التي لا تكاد تترك دولة إلا طالتها.

جفاف قناة بنما يعمق الأزمة

يأتي ذلك في وقت تعاني فيه قناة بنما من الجفاف الشديد، ما أجبر مسؤولي القناة على خفض عدد السفن المارة بها، بينما يحذر الخبراء من وقف مرور السفن بالكامل بالقناة إذا استمرت مستويات المياه في الانخفاض.

ويرى الخبراء أن العالم لا يتحمل اضطراب اثنين من أهم الممرات المائية، في إشارة إلى قناة بنما وقناة السويس.

وتراجع مستوى هطول الأمطار بنحو 30 في المئة في بنما هذا العام، ما أدى لانخفاض منسوب المياه في البحيرات التي تغذي القناة.

وقبل أزمة الجفاف، كانت قناة بنما تستقبل ما يقرب من 36 سفينة يومياً، ومع استمرار تراجع منسوب المياه قررت السلطات خفض عدد السفن المارة إلى 32 سفينة في يوليو تموز الماضي ثم إلى 31 سفينة في نوفمبر تشرين الثاني، وفقاً لرويترز.

وتشير اضطرابات الملاحة الأخيرة إلى التأثيرات البالغة التي قد تنتج عن تعطل الممرات التجارية الرئيسية في العالم، على غرار ما حدث في عام 2021 عندما جنحت سفينة (إيفر غيفن) في قناة السويس لتعوق حركة الملاحة بالقناة.

حادثة إيفر غيفن 2021

في مارس آذار من عام 2021، جنحت سفينة الحاويات (إيفر غيفن) في قناة السويس، ما أدى لتأخير شحنات السلع الاستهلاكية من آسيا إلى أوروبا وأميركا الشمالية، وتفاقم أزمة سلاسل التوريد العالمية.

وتعليقاً على الاضطرابات الحالية، قال الرئيس التنفيذي لشركة (كونتاينر إكس تشانج) لتأجير الحاويات، كريستيان رويلوفس، إن البحر الأحمر، خاصة قناة السويس، يعتبر بمثابة الطريق السريع لسفن الحاويات، إذ يربط أجزاء مختلفة من العالم، خاصة أوروبا وآسيا وإفريقيا، وبالتالي فإن كميات هائلة من إمدادات الطاقة وزيوت النخيل والحبوب المتجهة إلى أوروبا تأتي عبر هذا الممر المائي الحيوي.

وهنا تمكن أهمية قناة السويس، ما دفع الولايات المتحدة إلى إطلاق عملية بحرية يوم الاثنين، بالتعاون مع تسع دول أخرى لتأمين الشحن التجاري في البحر الأحمر، بهدف حماية استقرار الاقتصاد العالمي، وفقاً لتصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن.