في تحركٍ استراتيجيٍّ غير مسبوق، وافقت دول الاتحاد الأوروبي مبدئياً على إنشاء صندوق دفاعي بقيمة 150 مليار يورو، أو نحو 168.3 مليار دولار، تحت اسم «الأمن من أجل أوروبا (SAFE)»، بحسب ما أفاد به دبلوماسي أوروبي لوكالة رويترز يوم الاثنين. ويهدف الصندوق الذي اقترحته المفوضية الأوروبية في مارس آذار الماضي إلى تمويل مشاريع تدعم القدرات الدفاعية وتعزز القاعدة الصناعية العسكرية داخل القارة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
سيتم تمويل هذا الصندوق عبر اقتراض مشترك، ما يعكس توجهاً أوروبياً نحو توحيد الجهود الاقتصادية والأمنية.
وسيتيح البرنامج تقديم قروض للدول الأعضاء وبعض الدول الشريكة مثل أوكرانيا لتنفيذ مشاريع دفاعية استراتيجية تشمل إنتاج الأسلحة، وتعزيز أنظمة الدفاع الجوي، وتوسيع الصناعات المرتبطة بالأمن القومي الأوروبي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
هل يصبح الدفاع محركاً جديداً للنمو في أوروبا؟
قد يشكّل الإنفاق العسكري فرصة ذهبية للنهوض بالإنتاجية الأوروبية المتعثرة، على غرار ما حققته الولايات المتحدة خلال العقود الماضية من خلال ما يُعرف بـ«الاندماج العسكري المدني»، بحسب تحليل لصحيفة بوليتيكو.
اختراعات مثل الميكروويف، جي بي إس، والكمبيوتر الشخصي بدأت كمشاريع عسكرية قبل أن تتحول إلى تطبيقات مدنية غيرت وجه الاقتصاد.
المأمول اليوم هو أن يؤدي الإنفاق الدفاعي الأوروبي إلى موجة من الابتكار التكنولوجي يمتد أثرها إلى الاقتصاد المدني، خصوصاً مع المشاريع الطموحة مثل أنظمة مضادة للصواريخ وأقمار صناعية بديلة لـ«ستارلينك».
موجة شركات دفاعية ناشئة تواكب التحول
مع تدفق التمويل، بدأ يظهر جيل جديد من شركات التكنولوجيا الدفاعية في أوروبا؛ من أبرزها شركة «كوماند إيه آي» الفرنسية، التي طوّرت منصة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل الأوامر العسكرية وسرعة الاستجابة في العمليات، بما يسمح لضابط واحد بأداء مهام أربعة.
بحسب مؤسس الشركة لوك موغول، فإن هذه التكنولوجيا تمتلك تطبيقات مدنية واعدة مثل توجيه الروبوتات، أو صد الهجمات السيبرانية على مؤسسات القطاع الخاص.
الإنفاق العسكري قد يحفّز الاقتصاد.. ولكن بشروط
تشير بيانات معهد كيل للاقتصاد العالمي إلى أن كل 1 في المئة من الناتج المحلي يُنفق على البحث العسكري قد يرفع إنتاجية أوروبا بـ0.25 في المئة على المدى الطويل.
ومع إعلان ألمانيا خطة إنفاق دفاعي بتريليون يورو، وتخصيص المفوضية 800 مليار إضافية للأمن، فإن التأثير في الاقتصاد قد يكون عميقاً.
لكن هذا لا يأتي دون تكلفة.. بعض الحكومات مثل بريطانيا بدأت بالفعل بخفض الإنفاق الاجتماعي لتمويل الميزانية الدفاعية، ما قد يثير ردود فعل شعبية غاضبة، إذ حذر اقتصاديون في بروجيكت سنديكيت من أن «الضمان الاجتماعي يدفع الثمن»، بينما لا تزال الصواريخ في المستودعات لا تضيف مباشرة إلى النمو طويل الأمد.
فجوة البحث والابتكار بين أوروبا وأميركا
رغم الخطط الطموحة، فإن أوروبا لا تزال تخصص فقط 4.5 في المئة من إنفاقها الدفاعي للبحث والتطوير، مقارنة بـ16 في المئة في الولايات المتحدة.
ويرى خبراء مثل دان بريزنيتز من جامعة تورونتو أن نجاح أوروبا يتطلب تبني ثقافة الابتكار وفتح المجال أمام شركات صغيرة وناشئة، بعيداً عن الاعتماد الحصري على الشركات العملاقة التقليدية.
كما تدعو نماذج كالتي تعتمدها وزارة الدفاع الأميركية إلى المنافسة المفتوحة، عبر طرح مناقصات بمواصفات مرنة تسمح للجهات الصاعدة بالمشاركة، ما يؤدي إلى مزيد من براءات الاختراع وتسريبات تقنية تخدم القطاعات المدنية لاحقاً.
الطريق أمام أوروبا.. تصنيع محلي وتحالفات حذرة
أمام هذه التحولات، تدعو فرنسا إلى تقليل الاعتماد على نظم الأسلحة الأميركية مثل إف 35 وصواريخ باتريوت، لصالح بدائل أوروبية مثل رافال و«SAMP/T»، لكن دولاً على الجبهة الشرقية مثل بولندا وفنلندا تفضل الاستيراد السريع لتلبية احتياجاتها العاجلة.
في النهاية، يتوقف نجاح مشروع الدفاع الأوروبي على قدرة الاتحاد على إحداث توازن دقيق بين تحقيق الأمن، وتحفيز الابتكار، وتجنب الأعباء المالية المفرطة.
فالرهان ليس فقط على حماية القارة، بل على إعادة اختراع اقتصادها من جديد.