حققت الصين انتصاراً باهراً في حربها على التلوث، إذ انخفضت مستويات التلوث في الصين في عام 2021 بنسبة 42 في المئة مقارنةً بعام 2013، وفقاً لتقرير جديد صدر مؤخراً.

وجاءت البيانات المبشرة للصين ضمن التقرير السنوي لمؤشر جودة الهواء للحياة، الذي يصدره معهد سياسات الطاقة بجامعة شيكاغو، لكن على صعيدٍ آخر دق هذا التقرير ناقوس الخطر عندما أظهر أن تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة يظل أكبر تهديد على حياة البشر.

وقد تمكنت دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، ومؤخراً الصين، من الحد بشكل كبير من تلوث الهواء بفضل الدعوات العامة المستمرة إلى التغيير والتي أعقبها وضع سياسات قوية لتحقيق هذا الهدف.

على الجانب الآخر، شكلت قارة إفريقيا ومنطقة جنوب آسيا البؤرة الأكثر تلوثاً في العالم وفقاً للتقرير، إذ عانت معظم هذه المناطق من نقص الموارد اللازمة لمواجهة تلوث الهواء، فضلاً عن كونها أكثر عرضة للتلوث.

مؤشر جودة الهواء للحياة

أُنشئ مؤشر جودة الهواء للمساعدة في حل بعض تلك التحديات من خلال توفير معلومات محلية عن جودة الهواء وتقييم عواقبها الصحية، وأظهر المؤشر نجاحاً ملموساً إذ استُخدم من قِبل أكثر من 325 ألف شخص في كل دولة على مستوى العالم.

كما تمت تغطيته من قبل أكثر من 300 وسيلة إعلامية تصل إلى ما يزيد على 1.1 مليار شخص يتحدثون 20 لغة على الأقل، واعتمدت العديد من الحكومات (مثل الحكومة الهندية) على بيانات مؤشر جودة الهواء لتحديد السياسات الجديدة والإجراءات المطلوبة لمحاربة التلوث.

يُشار إلى أن الأقمار الصناعية توفر بيانات تلوث الهواء بشكل دوري فقط (سنوياً على سبيل المثال)، وبالتالي لا يمكن استخدامها على نطاق واسع لتحديد السياسات التنظيمية لجودة الهواء. وبذلك، فإن إنشاء نظام يوفر بيانات محلية مستمرة حول تلوث الهواء (يومياً على سبيل المثال) قد يمثل نقطة انطلاق للمشاركة المجتمعية ليصبح الوعي العام جزءاً من حل المشكلة.

غياب العدالة العالمية في مواجهة تلوث الهواء

من ناحية أخرى، فإن الدعم الدولي المقدم لقارتي آسيا وإفريقيا لمكافحة تلوث الهواء لا يتوازن مع حجم الأعباء التي تتحملها هذه المناطق، فهذه البلدان تحتاج لتوجيه التمويل استراتيجياً نحو بناء البنية التحتية المطلوبة لجمع المعلومات وإجراء البحث العلمي ووضع السياسات المناسبة لمكافحة التلوث، لكن ذلك لا يحدث في حقيقة الأمر.

وتُعد منطقة جنوب آسيا موطناً للبلدان الأربع الأكثر تلوثاً في العالم، وهي: بنغلاديش و الهند ونيبال وباكستان، وحذر التقرير من أن سكان هذه الدول الذين يمثلون ما يقرب من ربع سكان العالم قد يخسرون نحو 5 سنوات من متوسط أعمارهم المتوقع إذا استمرت مستويات التلوث عند هذا الحد.

تعد الدول الإفريقية مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي من بين الدول العشر الأكثر تلوثاً في العالم، ويشكل تلوث الهواء الآن تهديداً صحياً في وسط وغرب إفريقيا بقدر ما تشكل الأمراض القاتلة المعروفة في المنطقة -مثل فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) والملاريا- التهديد ذاته.

وعلى الرغم من أن آسيا وإفريقيا تمثلان 92.7 في المئة من الدول المهددة بفقدان سنوات العمر بسبب التلوث، فإنهما تفتقران إلى البنية التحتية الأساسية اللازمة لتغيير ذلك.

وتوفر 6.8 و3.7 في المئة فقط من حكومات آسيا وإفريقيا (على الترتيب) بيانات كاملة عن جودة الهواء المفتوح، بينما تضع 35.6 و4.9 في المئة منها معايير لجودة الهواء.

وتتلقى قارة إفريقيا أقل من 300 ألف دولار أميركي من الأموال الخيرية المخصصة لمكافحة تلوث الهواء، مقابل 1.4 مليون دولار لآسيا (باستثناء الصين والهند)، بينما تتلقى أوروبا والولايات المتحدة وكندا 34 مليون دولار، بحسب صندوق الهواء النظيف.

أخطر تهديد للبشر

يعد تلوث الهواء أكبر تهديد خارجي لمتوسط العمر المتوقع للإنسان على هذا الكوكب، إذ تكشف أحدث بيانات مؤشر جودة الهواء لعام 2021 أن التخفيض المستمر لتلوث الهواء العالمي من شأنه أن يضيف 2.3 سنة إلى متوسط العمر المتوقع للإنسان.

ويماثل تأثير الجسيمات الدقيقة السلبي على متوسط العمر إلى حد كبير تأثير التدخين، بينما يمثل أكثر من 3 أضعاف تأثير المواد الكحولية والمياه غير الآمنة، و5 أضعاف تأثير حوادث الطرق، و7 أضعاف تأثير فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)؛ لذلك يعد تلوث الهواء أخطر بكثير مما قد يتوقعه البشر.

الحرب ما زالت مستمرة

وتحقق جهود بكين للحد من التلوث نجاحاً ملحوظاً، حيث انخفض التلوث في الصين بنسبة 42.3 في المئة منذ عام 2013، وهو العام الذي بدأت فيه البلاد «حربها ضد التلوث»، وبفضل هذا التحسن يُتوقع أن يعيش المواطن الصيني 2.2 عام أطول شريطة استمرار انخفاض معدلات تلوث الهواء، إذ لا يزال التلوث في الصين أعلى من المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية بنحو بستة أضعاف.

ومن بين دول العالم، تواجه الهند العبء الصحي الأكبر الناجم عن تلوث الهواء بسبب العدد الكبير من الأشخاص الذين يؤثر عليهم التلوث، ومنذ عام 2013 يأتي ما يقدر بـ59.1 في المئة من زيادة التلوث في العالم من الهند، أما عن وسط وغرب إفريقيا فهي تشكل بؤرة للتلوث المتزايد نتيجة الارتفاع المستمر في استخدام الطاقة.

ولا يزال تلوث الهواء يشكل تهديداً كبيراً لصحة الإنسان على مستوى العالم، ومع عدم عدالة توزيع الموارد لمكافحة التلوث في الأماكن الأكثر تضرراً، فمن المتوقع استمرار زيادة معدلات تلوث الهواء العالمية، ما يعرض حياة البشر والطبيعة على كوكب الأرض للخطر.