مع انطلاق العد التنازلي لمؤتمر كوب 28، تزداد الآمال حول إيجاد حلول فعالة لأزمة ارتفاع درجات حرارة العالم، وما تبعها من أزمات مناخية متلاحقة كالجفاف والأعاصير وذوبان الجليد الذي يهدد بالمزيد من الفيضانات المدمرة، التي تسببت خلال العام الجاري وحده في أزمة إنسانية واسعة لعشرات الآلاف من سكان ليبيا ونحو 100 ألف شخص في الصومال، وفقاً لما أوردته الأمم المتحدة.
وحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، تؤدي الفيضانات وحدها إلى نزوح 96 مليون طفل خلال الأعوام الثلاثين المقبلة.
ما سبب الفيضانات؟
بحسب خدمة الطقس الوطنية الأميركية، تحدث الفيضانات عادةً إما بسبب هطول الأمطار لفترة طويلة، أو نتيجة لذوبان الجليد الذي يتزامن مع فشل في السيطرة على كميات المياه، أو بسبب ما يُسمى بالاختناقات الجليدية، وفي الحالة الأخيرة، يحمل النهر المتدفق قطعاً كبيرة من الجليد بعد ذوبانه، ويؤدي تعثر هذه القطع في ممر ضيق من النهر إلى منع التدفق الطبيعي للمياه، فلا تجد المياه مساراً للتدفق وتنهمر على جانبي النهر في صورة فيضانات في المنطقة المحيطة.
وزادت في الآونة الأخيرة ظاهرة ذوبان الغطاء الجليدي على كوكب الأرض تأثراً بارتفاع درجات الحرارة العالمية، إذ يشهد معدل ارتفاع درجة حرارة الكوكب ارتفاعاً متزايداً منذ بداية الألفية الجديدة ليبلغ ذروته هذا العام بعد أن سجل 1.44 مئوية في أكتوبر تشرين الأول الماضي، وفقاً لبيانات خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ.
في الوقت نفسه، حذرت الأمم المتحدة هذا الأسبوع من أن العالم سيواجه ارتفاعاً في درجات الحرارة بنسبة تتراوح بين 2.5 و2.9 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية إذا لم تعزز الحكومات الإجراءات المطلوبة لمكافحة تغير المناخ.
بيرو تخسر أنهارها الجليدية
فقدت بيرو، التي تمتلك نحو 68 في المئة من الأنهار الجليدية الاستوائية في العالم، ما يقرب من 56 في المئة من أنهارها الجليدية خلال العقود الستة الماضية بسبب تغير المناخ، وفقاً للمعهد الوطني لأبحاث الأنهار الجليدية والنظم البيئية. وهو أمر خطير إذا علمنا أن ما يقرب من 20 مليون شخص في بيرو يعتمدون على المياه المنحدرة من الأنهار الجليدية كمصدر أساسي للمياه.
وقالت مديرة المعهد، بياتريس فوينتيالبا، إنه في أربع سنوات في الفترة من 2016 إلى 2020، فقدت المنطقة نحو 6 في المئة من هذه الأنهار الجليدية، ونتيجة لذلك تشكلت بحيرات جديدة على ارتفاعات عالية، ما يجعلها تهديداً لحدوث الفيضانات في المستقبل.
وقالت وزيرة البيئة ألبينا رويث إن «هذا يعني أننا فقدنا أكثر من نصف احتياطياتنا المائية»، مشيرة إلى أن تراجع الأنهار الجليدية يؤثر على النظام البيئي الطبيعي للجبال.
وقالت «على الرغم من أننا لا نستطيع منع الأنهار الجليدية من الاختفاء على مر السنين، فإنه يمكننا تقليل سرعة فقدانها»، كما دعت إلى تقليل التلوث، والعمل على زيادة المساحات الخضراء.
خطر الفيضانات يهدد العالم
بدت صورة للمصور الكندي بول نيكلين، التقطها عام 2014، للمياه المتدفقة من جدار جليدي تعتليها الغيوم الرمادية مثل لوحة جمالية، لكن هذه الصورة الجميلة تحمل في الحقيقة قصة دمار في إحدى جزر أرخبيل سفالبارد النرويجي، إذ تذوب الأنهار الجليدية على الأرض بمعدل غير مسبوق بسبب تغير المناخ.
ويواجه القطب الجنوبي ذوبان كتلة الجليد بمعدل يبلغ نحو 150 مليار طن سنوياً، كما تفقد غرينلاند نحو 270 مليار طن سنوياً، ما يزيد من ارتفاع مستوى سطح البحر، وفقاً لوكالة ناسا.
وبعد الفيضانات التي طالت ليبيا، واليونان، وتركيا، وبلغاريا، والصومال، في الآونة الأخيرة، والتهديد الذي يواجه بيرو، فإن 15 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يواجهون الآن خطر فيضانات البحيرات الجليدية، منهم مليونان في باكستان، وفقاً لدراسة أجريت في فبراير شباط الماضي ونشرت في مجلة (ناتشرز كوميونيكاشنز) العلمية.
كما أصبح العديد من المدن الرئيسية حول العالم مهددة بالغرق إثر ارتفاع درجات الحرارة، منها بعض المدن العربية العريقة مثل الإسكندرية، وبيروت، والبصرة.
وفي مؤتمر الأطراف (كوب 26) الذي أقيم في مدينة غلاسغو الإسكتلندية، منذ عامين، وجّه بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا حينذاك، تحذيراً مخيفاً بشأن اختفاء العديد من المدن الساحلية، منها الإسكندرية في مصر، وميامي في الولايات المتحدة، وشنغهاي في الصين، لتضيع جميعها تحت أمواج البحر.
هل يحمل كوب 28 حلّاً للأزمة
مع انعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 28) في الإمارات في 30 نوفمبر تشرين الثاني، تتزايد الضغوط على الدول الغنية للوفاء بوعودها بمساعدة الدول النامية الأكثر تضرراً من تغير المناخ.
وكان الإعلان عن إنشاء صندوق تعويض الخسائر والأضرار هو أبرز النتائج الصادرة عن قمة كوب 27 التي عُقدت العام الماضي بمدينة شرم الشيخ المصرية، ويهدف الصندوق لتقديم مساعدات مالية للدول النامية الأكثر تضرراً من الأزمة المناخية.
لكن الدول الغنية تأخرت في الوفاء بتعهداتها بتقديم 100 مليار دولار لمساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار التغير المناخي، على الرغم من أنها أقل من الاحتياجات الفعلية لتلك الدول والتي تقدرها الأمم المتحدة بأكثر من 200 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.
وقبل انعقاد كوب 28، توصلت اللجنة الانتقالية المعنية بالصندوق إلى اتفاق يضمن توصيات حاسمة لتفعيله ووضع عدة ترتيبات لتمويله، وتتركز الآمال على نسخة كوب هذا العام للضغط على الدول المتقدمة للوفاء بتلك الالتزامات.